للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكِتَابَ النَّصَارَى مُتَمِّمٌ لِكِتَابِ الْيَهُودِ، قَدْ صَارُوا إِلَى حَالٍ مِنَ التَّهَافُتِ وَاتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ لَا يُعْتَدُّ مَعَهَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي نَفْسِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، فَطَعْنُهُمْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِعْرَاضُهُمْ عَنِ الْإِيْمَانِ بِهِ لَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى كَوْنِهِمْ عَلِمُوا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ، بَلْ لَا يَصْلُحُ شُبْهَةً عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ أَهْوَاءٍ وَتَعَصُّبٍ لِلْمَذَاهِبِ الْمُبْتَدَعَةِ وَالْآرَاءِ. فَإِذَا كَانَتِ الْيَهُودُ كَفَرَتْ بِعِيسَى وَأَنْكَرَتْهُ - وَهُوَ مِنْهُمْ - وَهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ لِإِعَادَةِ مَجْدِهِمْ وَتَجْدِيدِ عِزِّهِمْ، وَإِذَا كَانَتِ النَّصَارَى قَدْ رَفَضَتِ التَّوْرَاةَ وَكَفَّرَتْ أَهْلَهَا - وَهِيَ حُجَّتُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ - فَكَيْفَ يُعْتَدُّ بِكُفْرِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ شَعْبٍ غَيْرِ شَعْبِهِمْ، وَقَدْ جَاءَ بِشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ لِشَرَائِعِهِمْ، وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مِنَ الدِّينِ إِلَّا أَنَّهُ جِنْسِيَّةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لَهُمْ؟ ! .

وَفِي الْآيَةِ إِرْشَادٌ إِلَى بُطْلَانِ التَّقْلِيدِ، مُؤَيِّدٌ لِمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تُطَالِبُ الْمُدَّعِيَ بِالْبُرْهَانِ، وَإِلَى النَّعْيِ عَلَى الْمُقَلِّدِينَ الْمُتَعَصِّبِينَ لِآرَائِهِمْ، الْمُتَّبِعِينَ لِأَهْوَائِهِمْ، وَإِلَى التَّحَرِّي فِي الْحُكْمِ عَلَى الشَّيْءِ يَعْتَقِدُ الْحَاكِمُ بُطْلَانَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا يَعْتَقِدُهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ وَالتَّحَرِّي وَمَعْرِفَةِ مَكَانِ الْخَطَأِ وَالتَّزْيِيلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا عَسَاهُ يَكُونُ مَعَهُ صَوَابًا. أَلَمْ تَرَ أَنَّ سِيَاقَ الْآيَاتِ نَاطِقٌ بِإِنْكَارِ حُكْمِ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا بُرْهَانٍ وَلَا فَصْلٍ وَلَا فُرْقَانٍ، مَعَ

أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ وَشَيْءٍ مِنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ دِينِهِ حَقٌّ ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهِ نَزَعَاتُ الْوَثَنِيَّةِ وَالْبِدَعُ، وَعَرَضَ لَهُ التَّحْرِيفُ وَالتَّأْوِيلُ، فَتَجْرِيدُهُ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لَمْ يَكُنْ إِلَّا تَعَصُّبًا لِلتَّقَالِيدِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا تَمْحِيصٍ، وَأَنَّى لِلْمُقَلِّدِينَ بِذَلِكَ؟ وَانْظُرْ كَيْفَ أَلْحَقَ التَّقْلِيدُ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِالدِّينِ الْإِلَهِيِّ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟ هَذَا مَا فَعَلَهُ التَّقْلِيدُ بِهِمْ، وَبِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ عَدُوٌّ لِلْعِلْمِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَانٍ.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>