للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنَحْنُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا نَعْتَدُّ بِهَذِهِ الشُّبُهَاتِ، وَلَكِنَّا نُقِيمُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ بِهَا فِي مِثْلِ الْمَقَامِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَأَمْثَالِهِ مِمَّا لَا مَحَلَّ لِبَسْطِهِ هُنَا. . . .

ثُمَّ إِنَّ بَقِيَّةَ بِشَارَةِ حجى لَا تَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ نَبِيِّنَا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُحَمَّدِ الْأُمَمِ فَهُوَ الَّذِي زَلْزَلَ رَبُّ الْجُنُودِ بِبِعْثَتِهِ الْعَالِمَ، وَنَصَرَهُ بِالْجُنُودِ وَبِالْحُجَّةِ جَمِيعًا، وَكَانَ مَجْدُ دِينِ اللهِ بِهِ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِهِ بِمُوسَى وَسَائِرِ أَنْبِيَاءِ قَوْمِهِ، وَفُرِضَتْ شَرِيعَةُ الزَّكَاةِ وَخُمْسُ الْغَنَائِمِ تُنْفَقُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَكَانَتِ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ لِلَّهِ - وَفِي النُّسْخَةِ السَّبْعِينِيَّةِ لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ: إِنَّ الْآيَةَ التَّاسِعَةَ مِنْ هَذِهِ الْبِشَارَةِ، " إِنَّ الْمَجْدَ الْقَدِيمَ لِهَذَا الْبَيْتِ أَعْظَمُ مِنَ الْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِلْهَيْكَلِ الْأَوَّلِ " وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ مِنْ تَرْجَمَةِ النَّصَارَى الَّتِي نَقَلْنَا عَنْهَا، وَحَسْبُنَا هَذَا مِنَ الْبِشَارَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَمَنْ

يَهْدِي اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَنَحْمَدُهُ تَعَالَى أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أُمَّةِ خَاتَمِ رُسُلِهِ وَالدُّعَاةِ إِلَى مِلَّتِهِ وَصَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.

قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ذُكِرَتْ رِسَالَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتِطْرَادًا بِحَسَبِ نَظْمِ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ مِنَ الْقِصَّةِ، وَمِنْ سَائِرِ قِصَصِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلَمَّا كَانَ ذِكْرُهَا فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ لِدَعْوَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي كُتُبِهِمْ وَالْبِشَارَةِ بِرِسَالَتِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَبَيَانِ مَا يَكُونُ لَهُمْ مِنَ الْفَلَاحِ وَالْفَوْزِ بِالْإِيمَانِ بِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَاتِّبَاعِهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَفَّى عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانُ عُمُومِ بَعْثَتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَدَعْوَةُ النَّاسِ كَافَّةً إِلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى وَبِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ مُخَاطِبًا لَهُ صَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا هَذَا خِطَابٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَجَّهَهُ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْهَاشِمِيِّ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، يُنْبِئُهُمْ بِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ كَافَّةً لَا إِلَى قَوْمِهِ الْعَرَبِ خَاصَّةً كَمَا زَعَمَتِ الْعِيسَوِيَّةُ مِنَ الْيَهُودِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (٣٤: ٢٨) وَقَوْلِهِ: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنَ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (٦: ١٩) أَيْ وَأَنْذِرَ بِهِ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ مِنَ الثَّقَلَيْنِ، فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>