للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّذِي يُقَرِّبُهُ مِنَ الْفَهْمِ بِمَا لَا يَتَشَعَّبُ فِيهِ الْوَهْمُ، وَلَا يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ تَعْبِيرٌ آخَرُ أَلْيَقَ بِهِ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ: يَقُولُ لِلشَّيْءِ: (كُنْ فَيَكُونُ) ، فَالتَّوَالُدُ مُحَالٌ فِي جَانِبِهِ - تَعَالَى -؛ لِأَنَّ مَا يُعْهَدُ فِي حُدُوثِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَتَوَلُّدِهَا مِنْ بَعْضٍ، فَهُوَ لَا يَعْدُو طَرِيقَيْنِ: الِاسْتِعْدَادُ الْقَهْرِيُّ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلِاخْتِيَارِ فِيهِ كَحُدُوثِ الْحَرَارَةِ مِنَ النُّورِ، وَتَوَلُّدِ الْعُفُونَةِ مِنَ الْمَاءِ يَتَّحِدُ بِغَيْرِهِ، وَالسَّعْيِ الِاخْتِيَارِيِّ كَتَوَلُّدِ النَّاسِ بِالِازْدِوَاجِ الَّذِي يُسَاقُونَ إِلَيْهِ مَعَ اخْتِيَارِهِ وَالْقَصْدِ إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُحَالًا عَلَى اللهِ - تَعَالَى -، وَكَانَ - تَعَالَى - هُوَ الْمُبْدِعُ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، وَهِيَ بِأَسْرِهَا مِلْكُهُ وَمُسَخَّرَةٌ لِإِرَادَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِإِضَافَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (٣٧: ١٨٠ - ١٨٢) .

(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ

أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)

قُلْنَا: إِنَّ السِّيَاقَ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْكَلَامِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ تُجَاهَ الْقُرْآنِ وَدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ وَرَسُولِهِ إِلَى الْكَلَامِ فِي شُئُونِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَهُمْ وَمَعَ النَّصَارَى وَالْوَثَنِيِّينَ، وَشَيْخُنَا لَا يَزَالُ يَجْعَلُ السِّيَاقَ وَاحِدًا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ فِي التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْآيَاتِ إِلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لِذَلِكَ الْمُجْمَلِ، وَقَدْ قَالَ هُنَا مَا مِثَالُهُ: الْكَلَامُ لَا يَزَالُ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فِي الْإِيْمَانِ بِهِ وَعَدَمِ الْإِيْمَانِ، وَذَكَرَ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْكِتَابِ، مَا تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ عَدَمَ إِيْمَانِهِمْ بِالنَّبِيِّ وَمَا جَاءَ بِهِ غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ، وَلَا يَنْهَضُ شُبْهَةً عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَطَاعِنَهُمْ فِيهِ مُتَهَافِتَةٌ مَنْقُوضَةٌ بِطَعْنِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَتَخَبُّطِهِمْ فِي أَمْرِ كُتُبِهِمْ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى ذِكْرِ شُبْهَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ جَرَوْا فِيهَا عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ مِنْ أَمْثَالِهِمُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ بِالضَّلَالِ فَقَالَ: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) أَيِ الْجَاهِلُونَ بِالْكِتَابِ وَالشَّرَائِعِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ. وَقَالَ (الْجَلَالُ) : إِنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينِ لَا يَعْلَمُونَ كُفَّارُ مَكَّةَ خَاصَّةً وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّخْصِيصِ، وَيُرَجِّحُ الْعُمُومَ كَوْنُ الْآيَةِ مَدَنِيَّةً (لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ) كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>