للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَقُلْنَا لَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ: خُذُوا مَا أَعْطَيْنَاكُمْ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ بِقُوَّةِ عَزِيمَةِ وَعَزْمٍ عَلَى احْتِمَالِ مَشَاقِّهِ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيْ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ أَوَامِرَهَا وَنَوَاهِيَهَا، أَوِ اعْمَلُوا بِهِ لِئَلَّا تَنْسَوْهُ - فَإِنَّ ذَلِكَ يُعِدُّكُمْ لِلتَّقْوَى وَيَجْعَلُهَا مَرْجُوَّةً لَكُمْ، فَإِنَّ الْجِدَّ وَقُوَّةَ الْعَزْمِ فِي إِقَامَةِ الدِّينِ يُهَذِّبُ النَّفْسَ وَيُزَكِّيهَا، وَالتَّهَاوُنَ وَالْإِغْمَاضَ فِيهِ يُدَسِّيهَا وَيُغْوِيهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (٩١: ٩، ١٠) .

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ، وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ هَذِهِ الْآيَاتُ بَدْءُ سِيَاقٍ جَدِيدٍ فِي شُئُونِ الْبَشَرِ الْعَامَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِدَايَةِ اللهِ لَهُمْ، بِمَا أَوْدَعَ فِي فِطْرَتِهِمْ، وَرَكَّبَ فِي عُقُولِهِمْ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَشُكْرِهِ، فِي إِثْرِ بَيَانِ هِدَايَتِهِ لَهُمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَالْمُنَاسِبَةُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ ; وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، أَوْ سِيَاقٍ عَلَى سِيَاقٍ، قَالَ تَعَالَى:.

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الظُّهُورُ جَمْعُ ظَهْرٍ وَهُوَ الْعَمُودُ الْفِقْرِيُّ لِهَيْكَلِ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ بِنْيَتِهِ، وَمَرْكَزُ النُّخَاعِ الشَّوْكِيُّ

الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ حَيَّاتِهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنْ جُمْلَةِ وُجُودِهِ الْجَسَدِيِّ الْحَيَوَانِيِّ، وَالذَّرِّيَّةُ سُلَالَةُ الْإِنْسَانِ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ (ذُرِّيَّاتِهِمْ) بِالْجَمْعِ وَالْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ ; فَإِنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يُفِيدُ الْعُمُومَ، وَرَسْمُهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ: مِنْ ظُهُورِهِمْ بَدَلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ بِمَعْنَاهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْبَعْضِ ذَلِكَ الْكُلَّ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: هُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ.

وَالْمَعْنَى: وَاذْكُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِي أَثَرِ ذِكْرِ أَخْذِ مِيثَاقِ الْوَحْيِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ خَاصَّةً، مَا أَخَذَهُ اللهُ مِنْ مِيثَاقِ الْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ عَلَى الْبَشَرِ عَامَّةً، إِذِ اسْتَخْرَجَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذُرِّيَّتَهُمْ بَطْنًا

<<  <  ج: ص:  >  >>