للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَسْمُوعٌ وَلَا مَعْلُومٌ، فَلَيْسَ الْقَصْدُ الْإِخْبَارَ عَنِ الْفِعْلِ كَمَا كَانَ فِي الْأُولَى أَنَّهُ يَسْمَعُ الدُّعَاءَ وَيَعْلَمُ الْإِخْلَاصَ، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ جِدًّا.

ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى وَجْهَ سَلَامَةِ مَنْ يَسْتَعِيذُ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، لِإِزَالَةِ جَهْلِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ أَوْ مَنْ لَمْ يَفْقَهْهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ الطَّوْفُ وَالطَّوَافُ وَالطَّيْفُ بِالشَّيْءِ الِاسْتِدَارَةُ بِهِ أَوْ حَوْلَهُ، فَهُوَ وَاوِيٌّ يَأْتِي يُقَالُ: طَافَ يَطُوفُ وَيَطِيفُ بِالشَّيْءِ، كَـ " قَالَ وَبَاعَ " وَطَافَ الْخَيَالُ بِطَيْفٍ طَيْفًا: جَاءَ فِي النَّوْمِ، وَطَيْفُ الْخَيَالِ مَا يُرَى فِي النَّوْمِ مِنْ مِثَالِ الشَّخْصِ، وَأَصْلُهُ طَيِّفٌ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ كَمَيِّتٍ،

وَقَدْ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عُمَرَ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ هُنَا " إِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ " وَالْبَاقُونَ " إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ " وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَرَسْمُهُ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ (طَفٌ) كَرَسْمِ (مَلِكِ) فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، فَتُؤَدَّى قِرَاءَةُ وَزْنِ فَاعِلٍ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ بِمَدِّ الْحَرْفِ الْأَوَّلِ، وَالْمَسُّ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ كَاللَّمْسِ وَمِمَّا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ أَنَّ الْمَسَّ يُقَالُ فِي كُلِّ مَا يَنَالُ الْإِنْسَانَ مِنْ شَرٍّ وَأَذًى بِخِلَافِ اللَّمْسِ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّنْزِيلِ مَسُّ الضُّرِّ وَالضَّرَّاءِ وَالْبَأْسَاءِ وَالسُّوءِ وَالشَّرِّ وَالْعَذَابِ وَالْكِبَرِ وَالْقَرْحِ وَاللُّغُوبِ وَالشَّيْطَانِ وَطَائِفِ الشَّيْطَانِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَسُّ الْخَيْرِ وَالنَّفْعِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْمَعَارِجِ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٧٠: ١٩ - ٢٢) فَقَدْ ذُكِرَ الْخَيْرُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ الشَّرِّ، وَلَكِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مَنْعِ الْخَيْرِ لَا فِعْلِهِ، وَاسْتُعْمِلَ الْمَسُّ وَالْمَسِيسُ بِمَعْنَى الْوِقَاعِ، وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ كَاسْتِعْمَالِهِ فِي الْجُنُونِ مَجَازًا.

وَمَعْنَى الْآيَةِ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَهْمُ خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وُصِفُوا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إِذَا مَسَّهُمْ أَيْ أَلَمَّ أَوِ اتَّصَلَ بِهِمْ طَيْفٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْمِلَهُمْ بِوَسْوَسَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، أَوْ يَنْزَغَ بَيْنَهُمْ لِإِيقَاعِ الْبَغْضَاءِ وَالتَّفْرِقَةِ (تَذَكَّرُوا) أَنَّ هَذَا مِنْ عَدُوِّهِمُ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ، وَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الِاسْتِعَاذَةِ بِهِ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ فِي الْحِفْظِ مِنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَذَكَّرُوا مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: تَذَكَّرُوا عِقَابَ اللهِ لِمَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَعَصَى الرَّحْمَنَ، وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ لِمَنْ عَصَى الشَّيْطَانَ وَأَطَاعَ الرَّحْمَنَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَذَكَّرُوا وَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ - وَمَآلُ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ يَعُمُّهَا - كَمَا تُقَيِّدُهُ قَاعِدَةُ حَذْفِ الْمَفْعُولِ - فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ أَيْ: فَإِذَا هُمْ أُولُو بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ يَرْبَأُ بِأَنْفُسِهِمْ أَنْ تُطِيعَ الشَّيْطَانَ، فَهُوَ إِنَّمَا تَأْخُذُ وَسْوَسَتُهُ الْغَافِلِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَا يُحَاسِبُونَهَا عَلَى خَوَاطِرِهَا، الْغَافِلِينَ عَنْ رَبِّهِمْ لَا يُرَاقِبُونَهُ فِي أَهْوَائِهَا وَأَعْمَالِهَا، وَلَا شَيْءَ أَقْوَى عَلَى طَرْدِ الشَّيْطَانِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى بِالْقَلْبِ، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ، فَذِكْرُ اللهِ تَعَالَى بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ يُقَوِّي فِي النَّفْسِ حُبَّ الْحَقِّ وَدَوَاعِيَ الْخَيْرِ، وَيُضْعِفُ فِيهَا الْمَيْلَ إِلَى الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ مُدْخَلٌ إِلَيْهَا، فَهُوَ إِنَّمَا يُزَيِّنُ لَهَا بِالْبَاطِلِ وَالشَّرِّ بِقَدْرِ اسْتِعْدَادِهَا لِأَيِّ نَوْعٍ مِنْهُمَا. فَإِنْ وَجَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>