للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (١٩: ٧٩) وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٢: ١٥) وَأَمَّا الْإِمْدَادُ فَفِيمَا يُحْمَدُ وَيَنْفَعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (٢٦: ١٣٣) وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (١٧: ٦) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ (١٧: ٢٠) وَمِنْهُ إِمْدَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالْمَلَائِكَةِ يُثَبِّتُونَ قُلُوبَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَحُمِلَتْ قِرَاءَةُ نَافِعٍ هُنَا عَلَى التَّهَكُّمِ. وَالْإِقْصَارُ: التَّقْصِيرُ، وَأَقْصَرَ عَنِ الْأَمْرِ تَرَكَهُ وَكَفَّ عَنْهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ.

وَالْمَعْنَى مَعَ سَابِقِهِ: أَنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ. لِحَمْلِهِمْ عَلَى مُحَاكَاةِ الْجَاهِلِينَ وَالْخَوْضِ مَعَهُمْ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ، تَذَكَّرُوا فَأَبْصَرُوا فَحَذِرُوا وَسَلِمُوا، وَإِنْ زَلُّوا تَابُوا وَأَنَابُوا، وَأَنَّ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَهُمُ الْجَاهِلُونَ غَيْرُ الْمُتَّقِينَ يَتَمَكَّنُ الشَّيَاطِينُ مِنْ أَهْوَائِهِمْ، فَيَمُدُّونَهُمْ فِي غَيِّهِمْ وَفَسَادِهِمْ; لِأَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى إِذَا شَعَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ بِالنُّزُوعِ إِلَى الشَّرِّ وَالْبَاطِلِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَسْتَعِيذُونَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ وَمَسِّهِ فَيُبْصِرُوا وَيَتَّقُوا - إِمَّا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ شَيْطَانًا مِنَ الْجِنِّ يُوَسْوِسُ إِلَيْهِ وَيُغْرِيهِ بِالشَّرِّ - ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ وَلَا يَكُفُّونَ عَنْ إِغْوَائِهِمْ وَإِفْسَادِهِمْ ; فَلِذَلِكَ يُصِرُّونَ عَلَى الشُّرُورِ وَالْفَسَادِ لِفَقْدِ الْوَازِعِ النَّفْسِيِّ وَالْوَاعِظِ الْقَلْبِيِّ، وَفِي هَذَا التَّفْسِيرِ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى الشَّيْطَانِ بِالْجَمْعِ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ لَا الشَّخْصُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَمِنْهُ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ (٢: ٢٥٧) وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْجَاهِلِينَ، أَيْ وَإِخْوَانُ أُولَئِكَ الْجَاهِلِينَ مِنَ الْإِنْسِ وَهُمْ شَيَاطِينُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي غَيِّهِمْ وَفَسَادِهِمْ، فَيَكُونُونَ أَعْوَانًا لِشَيَاطِينِ الْجِنِّ فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ

وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا الِاجْتِبَاءُ: افْتِعَالٌ وَاخْتِصَاصٌ مِنَ الْجِبَايَةِ. يُقَالُ. جَبَى الْعَامِلُ الْمَالَ يَجْبِيهِ وَجَبَاهُ يَجْبُوهُ، إِذَا جَمَعَهُ لِلسُّلْطَانِ الْقَيِّمِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْأُمَّةِ. وَاجْتَبَاهُ إِذَا جَمَعَهُ وَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ أَوِ احْتَازَهُ لَهَا، وَفِي الْكَشَّافِ: اجْتَبَى الشَّيْءَ بِمَعْنَى جَبَاهُ لِنَفْسِهِ أَيْ جَمَعَهُ كَقَوْلِكَ اجْتَمَعَهُ - أَوْ جُبِيَ إِلَيْهِ فَاجْتَبَاهُ أَيْ أَخَذَهُ، كَقَوْلِكَ جَلَيْتُ إِلَيْهِ الْعَرُوسَ فَاجْتَلَاهَا اهـ. وَالْآيَةُ هُنَا آيَةُ الْقُرْآنِ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوِ الْمُعْجِزَةُ الْمُقْتَرَحَةُ مِنْ قِبَلِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.

وَالْمَعْنَى: وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ أَيُّهَا الرَّسُولُ بِآيَةٍ قُرْآنِيَّةٍ، بِأَنْ تَرَاخَى نُزُولُ الْوَحْيِ زَمَنًا مَا، قَالُوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>