للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالرَّغْبَةِ عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الرَّسُولُ، وَمُجَادَلَتِهِ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. وَإِنْ تَعُودُوا إِلَيْهِ نَعُدْ عَلَيْكُمْ بِالْإِنْكَارِ أَوْ تَهْيِيجِ الْعَدُوِّ، وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ كَثْرَتُكُمْ إِذَا لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَكُمْ بِالنَّصْرِ، فَهَا نَحْنُ أُولَاءِ قَدْ نَصَرْنَاكُمْ عَلَى قِلَّتِكُمْ وَضَعْفِكُمْ. هَذَا أَقْوَى مِنْ كُلِّ مَا رَأَيْنَاهُ فِي تَصْوِيرِ الْمَعْنَى، فَأَكْثَرُ مَا قَالُوهُ ظَاهِرُ التَّكَلُّفِ، وَلَوْلَا السِّيَاقُ لَكَانَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَرْجَحَ; لِأَنَّهُ أَظْهَرُ.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ كَانَتِ السُّورَةُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى هُنَا فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ بَدْرٍ الْكُبْرَى، إِلَّا أَنَّهَا افْتُتِحَتْ بَعْدَ بَرَاعَةِ الْمَطْلَعِ - وَهُوَ السُّؤَالُ عَنِ الْغَنَائِمِ - بِالْمَقْصِدِ مِنَ الدِّينِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ وَطَاعَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ وَوَصْفُ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، وَانْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى مُقَدِّمَاتِ الْغَزْوَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ عِنَايَةِ اللهِ فِيهَا بِالْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ انْتَقَلَ هُنَا أَوْ فِيمَا قَبْلَهُ إِلَى نِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَتَوْجِيهِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي إِلَيْهِمْ فِي مَقَاصِدِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ - وَيَنْتَهِي هَذَا بِالْآيَةِ ٢٩ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى شُئُونِ الْكُفَّارِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ وَلِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْدِهِمْ لَهُ وَعُدْوَانِهِمْ عَلَيْهِ، وَفِتْنَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ - وَمِنْهُ إِلَى الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ وَحِكْمَتِهِ، ثُمَّ يَعُودُ الْكَلَامُ إِلَى غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ حِكَمٍ وَسُنَنٍ وَأَحْكَامٍ وَتَشْرِيعٍ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْعَاشِرِ وَهُوَ آيَةُ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ (٤١) إِلَخْ.

قَالَ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ ذُكِرَتْ هَذِهِ الطَّاعَةُ فِي

الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَأُعِيدَتْ هُنَا لِيُعْطَفَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أَيْ: وَلَا تَتَوَلَّوْا وَتُعْرِضُوا عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَالُ أَنَّكُمْ تَسْمَعُونَ مِنْهُ كَلَامَ اللهِ الْمُصَرِّحَ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَمُوَالَاتِهِ وَاتِّبَاعِهِ وَنَصْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ هُنَا سَمَاعُ الْفَهْمِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْإِذْعَانِ، الَّذِي هُوَ شَأْنُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ دَأْبُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢: ٢٨٥) وَالْمَوْصُوفِينَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (٣٩: ١٧، ١٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>