للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِمَا ذُكِرَ يُثْبِتُونَ قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْجَبْرِيَّةِ، فَهُمْ يُؤَيِّدُونَ الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ وَلَا يَشْعُرُونَ، وَيَمُدُّهُمْ إِخْوَانُهُمُ الصُّوفِيَّةُ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ.

بَعْدَ هَذِهِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الْخَاصَّةِ بِأَعْمَالِ النَّاسِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ، وَمَا يُخْشَى أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَيْهِ مِمَّا يَحْرِمُهُمْ مِنَ الْهِدَايَةِ الْخُصُوصِيَّةِ، بِانْتِهَاءِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْهَا إِلَى مَا يَكَادُ يَخْرُجُ عَنِ الِاخْتِيَارِ، بِإِضْعَافِ الْإِرَادَةِ وَاسْتِعْبَادِهَا لِلْأَهْوَاءِ، - أَمَرَهُمْ بِاتِّقَاءِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِتَنِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ تَبِعَةُ عُقُوبَتِهَا مُشْتَرِكَةً بَيْنَ الْمُصْطَلِي بِنَارِهِ فِعْلًا، وَبَيْنَ الْمُؤَاخَذِ بِهِ لِتَقْصِيرِهِ فِي دَرْئِهِ، وَإِقْرَارِهِ عَلَى فِعْلِهِ، فَقَالَ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً أَيْ: وَاتَّقُوا وُقُوعَ الْفِتَنِ الْقَوْمِيَّةِ وَالْمِلِّيَّةِ الْعَامَّةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَقَعَ بَيْنَ الْأُمَمِ فِي التَّنَازُعِ عَلَى مَصَالِحِهَا الْعَامَّةِ مِنَ الْمُلْكِ وَالسِّيَادَةِ أَوِ التَّفَرُّقِ فِي الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ، وَالِانْقِسَامِ إِلَى الْأَحْزَابِ الدِّينِيَّةِ كَالْمَذَاهِبِ، وَالسِّيَاسِيَّةِ كَالْحُكْمِ، فَإِنَّ الْعِقَابَ عَلَى ذُنُوبِ الْأُمَمِ أَثَرٌ لَازِمٌ لَهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا، وَلِهَذَا عَبَّرَ هُنَا بِالْفِتْنَةِ، دُونَ الذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْفِتْنَةُ الْبَلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِرَارًا.

رَوَى أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قُلْنَا لِلزُّبَيْرِ: " يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ضَيَّعْتُمُ الْخَلِيفَةَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ جِئْتُمْ تَطْلُبُونَ بِدَمِهِ؟ فَقَالَ: إِنَّا قَرَأْنَا

عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَلَمْ نَكُنْ نَحْسَبُ أَنَّا أَهْلُهَا حَتَّى وَقَعَتْ فِينَا حَيْثُ وَقَعَتْ، وَرَوَى عَنْهُ جُمْهُورُ مُخَرِّجِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ: لَقَدْ قَرَأْنَاهَا زَمَانًا وَمَا نَرَى أَنَّا مِنْ أَهْلِهَا فَإِذَا نَحْنُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ خُوِّفْنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَنَنَّا أَنَّنَا خُصِصْنَا بِهَا. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَنَحْوِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى عَنِ الزُّبَيْرِ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ - وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ قَالَ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ عَلِمَ أَقْوَامٌ حِينَ نَزَلَتْ أَنْ يَسْتَخِصَّ بِهَا قَوْمٌ. وَهُوَ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عَلِمَ وَاللهِ ذَوُو الْأَلْبَابِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنْ سَيَكُونُ فِتَنٌ. وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً، فَأَصَابَتْهُمْ يَوْمَ الْجَمَلِ فَاقْتَتَلُوا فَكَانَ مِنَ الْمَقْتُولِينَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَآخَرُونَ عَنْهُ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْجَمَلِ. وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: تُصِيبُ الظَّالِمَ وَالصَّالِحَ عَامَّةً. وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هِيَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ حَتَّى يَتْرُكَهُ لَا يَعْقِلُ. وَرَوَى جُمْهُورُهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَلَّا يُقِرُّوا الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ فَيَعُمَّهُمُ اللهُ بِالْعَذَابِ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَلِهَذَا الْأَثَرِ شَاهَدٌ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>