للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَأْيِيدِ رَسُولِهِ، وَإِنْجَازِ وَعْدِهِ لَهُ، أَنْ نَصَرَكُمْ عَلَى قِلَّتِكُمْ وَجُوعِكُمْ وَضَعْفِكُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْعَافِ عَدَدِكُمْ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ أَوَائِلِ السُّورَةِ.

إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى الْعُدْوَةُ مُثَلَّثَةُ الْعَيْنِ لُغَةً جَانِبُ الْوَادِي، وَهِيَ مِنَ الْعَدْوِ [كَالْغَزْوِ] الَّذِي مَعْنَاهُ التَّجَاوُزُ، وَقَدْ قَرَأَهَا الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَقَرَأَهَا ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو عَمْرٍو بِكَسْرِهَا، وَمِنْ غَيْرِ السَّبْعِ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا بِفَتْحِهَا، وَالدُّنْيَا مُؤَنَّثُ الْأَدْنَى وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَالْقُصْوَى مُؤَنَّثُ الْأَقْصَى وَهُوَ الْأَبْعَدُ، وَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ، وَمَا أَنْزَلَنَا عَلَى عَبْدِنَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ مُرَابِطِينَ بِأَقْرَبِ الْجَانِبَيْنِ مِنَ الْوَادِي إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِيهِ الْمَاءُ، وَنَزَلَ الْمَطَرُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مَعَ بَيَانِ فَوَائِدِهِ، وَالْأَعْدَاءُ فِي الْجَانِبِ الْأَبْعَدِ عَنْهَا، وَلَا مَاءَ فِيهِ، وَأَرْضُهُ رَخْوَةٌ تَسُوخُ فِيهَا الْأَقْدَامُ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الْمُرَادُ بِالرَّكْبِ الْعِيرُ الَّتِي خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ لِلِقَائِهَا، إِذْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ قَادِمًا بِهَا مِنَ الشَّامِ أَوْ أَصْحَابُهَا، وَهُوَ اسْمُ جَمْعِ رَاكِبٍ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّكْبَ فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ مِنْ مَكَانِكُمْ، وَهُوَ سَاحِلُ الْبَحْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِالْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخَذَ الْعِيرَ فِي نَاحِيَةِ الْبَحْرِ لَتَبِعُوهَا وَمَا الْتَقَوْا هُنَاكَ بِالْكُفَّارِ، وَلَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ أَيْ: وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ أَنْتُمْ وَهُمُ التَّلَاقِيَ لِلْقِتَالِ هُنَالِكَ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ، لِكَرَاهَتِكُمْ لِلْحَرْبِ عَلَى قَتْلِكُمْ، وَعَدَمِ إِعْدَادِكُمْ شَيْئًا مِنَ الْعُدَّةِ لَهَا، وَانْحِصَارِ هِمَمِكُمْ فِي أَخْذِ الْعِيرِ، وَلِأَنَّ غَرَضَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ كَانَ إِنْقَاذَ الْعِيرِ دُونَ الْقِتَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَهَابُونَ قِتَالَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا يَأْمَنُوا نَصْرَ اللهِ

لَهُ؛ لِأَنَّ كُفْرَ أَكْثَرِهِمْ بِهِ كَانَ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا لَا اعْتِقَادًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ أَوَائِلِ السُّورَةِ بَيَانُ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ الْمُقْتَضِي لِاخْتِلَافِ الْمِيعَادِ لَوْ حَصَلَ، وَلِإِرَادَةِ اللهِ هَذَا التَّلَاقِيَ وَتَقْدِيرِ أَسْبَابِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا أَيْ: وَلَكِنْ تَلَاقَيْتُمْ هُنَالِكَ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ، وَلَا رَغْبَةٍ فِي الْقِتَالِ، لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ ثَابِتًا فِي عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ أَنَّهُ وَاقِعٌ مَفْعُولٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقِتَالُ الْمُفْضِي إِلَى خِزْيِهِمْ وَنَصْرِكُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ وَصِدْقِ وَعْدِهِ لِرَسُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ أَيْ: فَعَلَ ذَلِكَ، لِيَتَرَتَّبَ عَلَى قَضَاءِ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْكُفَّارِ عَنْ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ مُشَاهَدَةٍ بِالْبَصَرِ عَلَى حَقِّيَّةِ الْإِسْلَامِ، بِإِنْجَازِ وَعْدِهِ تَعَالَى لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمِنْ مَعَهُ، بِحَيْثُ تَنْفِي الشُّبْهَةَ، وَتَقْطَعُ لِسَانَ الِاعْتِذَارِ عِنْدَ اللهِ عِنْدَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ، وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَيِّنَةٍ قَطْعِيَّةٍ حِسِّيَّةٍ، كَذَلِكَ فَيَزْدَادُوا يَقِينًا بِالْإِيمَانِ، وَنَشَاطًا فِي الْأَعْمَالِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ حَيِيَ (كَتَعِبَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>