للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا يَنْتَفِعُ أَحَدٌ بِعَمَلِ غَيْرِهِ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَمَلُهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَنْتَفِعُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِعَمَلِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ هُوَ سَبَبًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَرْشَدَهُ إِلَيْهِ وَكَانَ قُدْوَةً لَهُ فِيهِ.

(الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) : جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ بَعْدَ الْكَلَامِ عَنْ وَصِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ لِبَنِيهِ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ لِبَنِيهِمُ؛ اسْتِدْرَاكًا عَلَى مَا عَسَاهُ يَقَعُ فِي أَذْهَانِ ذَرَارِي هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَنَّ هَذَا السَّلَفَ الَّذِي لَهُ

عِنْدَ اللهِ هَذِهِ الْمَكَانَةُ يَشْفَعُ لَهُمْ فَيَنْجُونَ وَيَسْعَدُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمُجَرَّدِ الِانْتِسَابِ إِلَيْهِمْ، فَبَيَّنَ اللهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ سُنَّتَهُ فِي عِبَادِهِ أَلَّا يُجْزَى أَحَدٌ إِلَّا بِكَسْبِهِ وَعَمَلِهِ، وَلَا يُسْأَلَ إِلَّا عَنْ كَسْبِهِ وَعَمَلِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ الْعَامَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلُ (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (٥٣: ٣٦ - ٣٩) . . . إِلَخْ.

وَبَيَّنَ فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ: أَنَّ الْمُرْسَلِينَ لَمْ يُرْسَلُوا إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، فَمَنْ آمَنَ بِهِمْ وَعَمِلَ بِمَا يُرْشِدُونَ إِلَيْهِ كَانَ نَاجِيًا وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُمْ فِي النَّسَبِ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ هَدْيِهِمْ كَانَ هَالِكًا وَإِنْ أَدْلَى إِلَيْهِمْ بِأَقْرَبِ سَبَبٍ (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (١١: ٤٦) وَإِذَا لَمْ تَنْتَفِعْ بِهِمْ ذُرِّيَّاتُهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَقْتَدُوا بِهِمْ فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ بِهِمْ أُولَئِكَ الْبُعَدَاءُ الَّذِينَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ صِلَةٌ إِلَّا الْأَقْوَالَ الْكَاذِبَةَ الَّتِي يُعَبِّرُ عَنْهَا أَهْلُ هَذَا الْعَصْرِ (بِالْمَحْسُوبِيَّةِ) ، وَيَقُولُونَ فِي مُخَاطَبَةِ أَصْحَابِ الْقُبُورِ عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ بِهِمْ: ((الْمَحْسُوبُ كَالْمَنْسُوبِ)) وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ: إِذَا كَانَ الْجَائِعُ يَشْبَعُ إِذَا أَكَلَ وَالِدُهُ دُونَهُ، وَالظَّمْآنُ يَرْوَى بِشُرْبِ وَالِدِهِ.

(وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>