للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَدَدِ أَصْحَابِكِ وَعَدَدِهِمْ، وَكَذَلِكَ يُمَكِّنُكَ مِمَّنْ يَخُونُكَ مِنْ بَعْدُ، كَمَا مَكَّنَكَ مِمَّنْ خَانَهُ مِنْ قَبْلُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ: عَلِيمٌ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ، حَكِيمٌ فِي نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِظْهَارِهِمْ عَلَيْهِمْ.

وَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَتَيْنِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تَرْغِيبِ الْأَسْرَى فِي الْإِيمَانِ، وَإِنْذَارِهِمْ عَاقِبَةَ خِيَانَتِهِمْ إِذَا ثَبَتُوا عَلَى الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ، وَعَادُوا إِلَى الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَفِيهِ بِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاسْتِمْرَارِ النَّصْرِ وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ فِي كُلِّ قِتَالٍ يَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، مَا دَامُوا قَوَّامِينَ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَقَدْ وَرَدَ مِنَ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ فِي مَعْنَى الْآيَتَيْنِ مَا يَحْسُنُ نَشْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيضَاحِ الْمَعْنَى، وَمَا كَانَ مِنْ سِيرَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي مَسْأَلَةِ فِدَاءِ الْأَسْرَى.

رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي تَرْكِ فِدَاءِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وَكَانَ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا الْعَبَّاسِ فَدَاءَهُ؟ فَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " وَاللهِ لَا تَذَرُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا " وَقَدْ عَنَوْا بِقَوْلِهِمُ: " ابْنِ أُخْتِنَا الْعَبَّاسِ " جَدَّتَهَ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهِيَ أَنْصَارِيَّةٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، لَا أُمَّ الْعَبَّاسِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِكَوْنِهِ ابْنَ أُخْتِهِمْ، وَلَمْ يَصِفُوهُ بِكَوْنِهِ عَمَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِئَلَّا يَكُونَ فِي هَذَا

الْوَصْفِ، رَائِحَةُ مِنَّةٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَمْ يَأْذَنْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَهُمْ فِي مُحَابَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمُّهُ بَلْ سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَسْرَى، بَلْ وَرَدَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِفِدَاءِ ابْنَيْ أَخَوَيْهِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ لِغِنَاهُ وَفَقْرِهِمَا، وَقِيلَ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَقِيلَ: وَحَلِيفُهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا أَمَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا وَلَكِنَّ الْقَوْمَ اسْتَكْرَهُونِي، فَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَقُولُ، إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَإِنَّ اللهَ يَجْزِيكَ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ أَمْرِكَ أَنَّكَ كُنْتَ عَلَيْنَا؟ ".

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ إِيرَادِ مَا ذُكِرَ: وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةُ أَنَّ فِدَاءَهُمْ كَانَ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ذَهَبًا، وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ فِدَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَجَعَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ مِائَةَ أُوقِيَّةٍ، وَعَلَى عَقِيلٍ ثَمَانِينَ، فَقَالَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>