للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

هَذِهِ الْآيَاتُ تَذْكِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِ اللهِ لَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ فِي مَوَاطِنِ الْقِتَالِ الْكَثِيرَةِ مَعَهُمْ، إِذْ كَانَ عَدَدُهُمْ وَعَتَادُهُمْ قَلِيلًا لَا يُرْجَى مَعَهُ النَّصْرُ بِحَسَبِ الْأَسْبَابِ وَالْعَادَةِ، وَابْتِلَائِهِ إِيَّاهُمْ بِالتَّوَلِّي وَالْهَزِيمَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَلَى عَجَبِهِمْ بِكَثْرَتِهِمْ وَرِضَاهُمْ عَنْهَا، وَنَصْرِهِمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ بِعِنَايَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ لَدُنْهُ - ; لِيَتَذَكَّرُوا أَنَّ عِنَايَتَهُ تَعَالَى وَتَأْيِيدَهُ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِالْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةِ، أَعْظَمُ شَأْنًا وَأَدْنَى إِلَى النَّصْرِ مِنَ الْقُوَّةِ الْمَادِّيَّةِ، كَالْكَثْرَةِ الْعَدَدِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَجَعَلَ هَذَا التَّذْكِيرَ تَالِيًا لِلنَّهْيِ عَنْ وِلَايَةِ آبَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلِلْوَعِيدِ عَلَى إِيثَارِ حُبِّ الْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْعَشِيرَةِ " وَلَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ " وَالْمَالُ وَالسَّكَنُ عَلَى حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، تَفْنِيدًا لِوَسْوَسَةِ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ - مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَمَرْضَى الْقُلُوبِ - لَهُمْ، وَإِغْرَائِهِمْ بِاسْتِنْكَارِ عَوْدِ حَالَةِ الْحَرْبِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَتَنْفِيرِهِمْ مِنْ قِتَالِهِمْ لِكَثْرَتِهِمْ، وَلِقَرَابَةِ بَعْضِهِمْ، وَلِكَسَادِ التِّجَارَةِ الَّتِي تَكُونُ مَعَهُمْ، وَذَلِكَ بَعْدَ إِقَامَةِ الدَّلَائِلِ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ مِنَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنَ الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا، وَسَنُبَيِّنُ الْمُهِمَّ مِنْهُ فِي إِثْرِ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مِمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يَقُولَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّبَعِ لِمَا قَبْلَهُ، وَفِيهِمْ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَضُعَفَاءِ

الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَعْطِفْ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ بَيَانٌ مُسْتَأْنَفٌ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى صِحَّةِ مَا قَبْلَهُ مِنْ نَهْيٍ وَوَعِيدٍ، وَأَنَّ الْخَيْرَ وَالْمَصْلَحَةَ لِلْمُؤْمِنِ فِي تَرْكِ وِلَايَةِ أُولِي الْقُرْبَى مِنَ الْكَافِرِينَ، وَفِي إِيثَارِ حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ عَلَى حُبِّ أُولِي الْقُرْبَى وَالْعَشِيرَةِ وَالْمَالِ وَالسَّكَنِ مِمَّا يُحِبُّ لِلْقُوَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَلِلتَّمَتُّعِ بِلَذَّاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>