للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي جُمْلَتِهِمْ لَا بِعَلِيٍّ وَحْدَهُ، كَرَّمَ اللهُ وُجُوهَهُمْ وَوَجْهَهُ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (٨: ٦٢ و٦٣) الْآيَةَ، وَأَنَّ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي بَدْرٍ وَهُمْ أَذِلَّةٌ جَائِعُونَ، حُفَاةٌ رَاجِلُونَ، قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ، فَنَصَرَهُمُ اللهُ

عَلَى صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَفُرْسَانِهَا الَّذِينَ هُمْ ثَلَاثَةُ أَضْعَافِهِمْ، مَا كَانُوا لِيَجْبُنُوا عَنْ قِتَالِ هَوَازِنَ وَهُمْ عَلَى النِّسْبَةِ الْعَكْسِيَّةِ مِنْ مُشْرِكِي بَدْرٍ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى ابْتَلَاهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَعَ بَيَانِ سَبَبِهِ تَمْحِيصًا لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا بِهِ وَبِعِنَايَتِهِ بِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَأْيِيدِهِ بِنَصْرِهِ، وَلَا يَغْتَرُّوا بِالْكَثْرَةِ وَحْدَهَا.

وَلَوْ أَقْسَمَ مُقْسِمٌ بِاللهِ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ هَذَا الشِّيعِيُّ الَّذِي مَلَكَ عَلَيْهِ الْغُلُوُّ أَمْرَهُ، وَسَلَبَ التَّعَصُّبُ عَقْلَهُ، فَقَالَ: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ اللهَ تَعَالَى مَا بَعَثَ مُحَمَّدًا خَاتَمًا لِلنَّبِيِّينَ، وَمُكَمِّلًا لِلدِّينِ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، إِلَّا وَهُوَ قَدْ كَفَلَ نَصْرَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ الْكَافِرِينَ، وَعِصْمَتَهُ مِنِ اغْتِيَالِ الْمُغْتَالِينَ، بِفَضْلِهِ وَحْدَهُ، لَا بِفَضْلِ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْلَقْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي جَيْشِ رَسُولِهِ فِي حُنَيْنٍ لَمَا قُتِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا زَالَ دِينُ اللهِ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ وَالشُّعُوبُ، وَلَوَفَى اللهُ تَعَالَى بِوَعْدِهِ لِرَسُولِهِ بِنَصْرِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ كُلِّهِمْ، لَوْ أَقْسَمَ السُّنِّيُّ الْمُحِبُّ لِجَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هَذَا الْقَسَمَ الْمُوَافِقَ لِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَلِلتَّارِيخِ الصَّحِيحِ وَلِلْمَعْقُولِ مِنْ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ، لَكَانَ قَسَمُهُ أَبَرَّ وَأَصْدَقَ وَأَرْضَى لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالرِّضْوَانُ مِنْ قَسَمِ ذَلِكَ الشِّيعِيِّ عَلَى جَهْلِهِ وَتَعَصُّبِهِ الْمُخَالِفِ لِكُلِّ مَا ذُكِرَ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (١٣: ٣٣) .

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

تَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ إِذْ أَمَّرَهُ عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ أَنْ يُبَلِّغَ النَّاسَ أَنَّهُ لَا يَحُجُّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ. ثُمَّ أَمَّرَ عَلِيًّا ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنْ

يَتْبَعَ أَبَا بَكْرٍ فَيَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ أَوَائِلَ سُورَةِ بَرَاءَةٍ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَأَنْ يُنَادِيَ بِأَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ. وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْآيَاتِ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي أُمِرَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ بِالنِّدَاءِ بِهَا، وَهِيَ أَبْلَغُ مِنْ مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْحَجِّ كَمَا سَيَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>