للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ آنِفًا: وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ (٤٥) وَقَلَّمَا يَكُونُ الْكُفْرُ إِلَّا شَكًّا أَوْ ظَنًّا، فَإِنْ رَأَيْتَ صَاحِبَهُ مُوقِنًا فِيهِ فَاعْلَمْ أَنَّ يَقِينَهُ سُكُونُ النَّفْسِ إِلَيْهِ عَنْ جَهْلٍ لَا عَنْ عِلْمٍ، وَالْمُرَادُ: أَنَّ جَهَنَّمَ سَتَكُونُ مُحِيطَةً بِهِمْ جَامِعَةً لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الدَّالِّ عَلَى الْحَالِ؛ لِإِفَادَةِ تَحَقُّقِ ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ وَاقِعٌ مُشَاهَدٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا مُحِيطَةٌ بِهِمُ الْآنَ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْإِحَاطَةِ مَعَهُمْ فَكَأَنَّهُمْ فِي وَسَطِهَا. قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَإِنَّمَا تُحِيطُ النَّارُ بِمَنْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطَايَاهُ حَتَّى لَا رَجَاءَ فِي تَوْبَتِهِ: بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢: ٨١) .

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، الْمُتَبَادِرُ أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ شَأْنِهِمْ فِي مَاضِيهِمْ وَحَاضِرِهِمْ وَمُسْتَقْبَلِهِمْ، وَالْحَسَنَةُ كُلُّ مَا يَحْسُنُ وَقْعُهُ وَيَسُرُّ مِنْ غَنِيمَةٍ وَنُصْرَةٍ وَنِعْمَةٍ، أَيْ أَنَّهُ يَسُوءُهُمْ كُلُّ مَا يَسُرُّكَ، مَا سَاءَهُمُ النَّصْرُ فِي بَدْرٍ وَغَيْرِ بَدْرٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ أَيْ: نَكْبَةٌ وَشِدَّةٌ كَالَّذِي وَقَعَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ أَيْ: قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا بِالْحَزْمِ وَالْحَذَرِ الَّذِي هُوَ دَأْبُنَا مِنْ قَبْلِ وُقُوعِهَا إِذْ تَخَلَّفْنَا عَنِ الْقِتَالِ، وَلَمْ نُلْقِ بِأَيْدِينَا إِلَى الْهَلَاكِ: وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ أَيْ: وَيَنْصَرِفُوا عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ خَبَرُ الْمُصِيبَةِ إِلَى أَهْلِيهِمْ، أَوْ يُعْرِضُوا عَنْكَ بِجَانِبِهِمْ وَهُمْ فَرِحُونَ فَرَحَ الْبَطَرِ وَالشَّمَاتَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ قَوْلُهُ: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (٣: ١٢٠) الْآيَةَ وَهِيَ فِي سِيَاقِ غَزْوَةِ أُحُدٍ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ خَبَرٌ عَنْ مُسْتَقْبَلِ الْأَمْرِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: إِنَّ تُصِبْكَ فِي سَفَرِكَ هَذَا لِغَزْوَةِ تَبُوكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، قَالَ: الْجَدُّ وَأَصْحَابُهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: جَعَلَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا فِي الْمَدِينَةِ يُخْبِرُونَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَخْبَارَ السُّوءِ، يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَدْ جَهِدُوا فِي سَفَرِهِمْ وَهَلَكُوا فَبَلَغَهُمْ تَكْذِيبُ خَبَرِهِمْ وَعَافِيَةُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَصْحَابِهِ فَسَاءَهُمْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: إِنْ أَظْفَرَكَ اللهُ وَرَدَّكَ سَالِمًا سَاءَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا: قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا فِي الْقُعُودِ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ وَهُوَ يَشْمَلُ هَذَا وَغَيْرَهُ.

قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا أَيْ: قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تُفْرِحُهُمْ مُصِيبَتُكَ، وَتَسُوءُهُمْ نِعْمَتُكَ وَغَنِيمَتُكَ، لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَهُ اللهُ وَأَوْجَبَهُ لَنَا بِوَعْدِهِ فِي كِتَابِهِ، وَتَقْدِيرِهِ لِنِظَامِ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ، مِنْ نَصْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَتَمْحِيصٍ وَشَهَادَةٍ، وَضَمَانٍ لِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ هُوَ مَوْلَانَا أَيْ: هُوَ وَحْدَهُ مَوْلَانَا

يَتَوَلَّانَا بِالتَّوْفِيقِ وَالنَّصْرِ، وَنَتَوَلَّاهُ بِاللَّجَأِ

<<  <  ج: ص:  >  >>