للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَفِعْلِهِمْ لِهَذَيْنَ الرُّكْنَيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، اللَّذَيْنِ هُمَا أَظْهَرُ آيَاتِ الْإِيمَانِ، لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَهُمَا رِيَاءً وَتَقِيَّةً لَا إِيمَانًا بِوُجُوبِهِمَا، وَلَا قَصْدًا إِلَى تَكْمِيلِ أَنْفُسِهِمْ بِمَا شَرَعَهُمَا اللهُ لِأَجْلِهِ، وَاحْتِسَابًا لِأَجْرِهِمَا عِنْدَهُ أَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتُونَهَا إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى أَيْ: فِي حَالِ الْكَسَلِ وَالتَّثَاقُلِ مِنْهَا، فَلَا تَنْشَطُ لَهَا أَبْدَانُهُمْ، وَلَا تَنْشَرِحُ لَهَا صُدُورُهُمْ، زَادَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا (٤: ١٤٢) وَقَدْ أَمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ لَا بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ بِصُورَتِهَا، وَوَصْفِهِمْ بِالْخُشُوعِ فِيهَا، وَهُوَ يُنَافِي الْكَسَلَ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَيْهَا، فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ؛ لِيَعْلَمَ هَلْ صَلَاتُهُ صَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ، أَمْ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ؟ .

وَأَمَّا الْإِنْفَاقُ فِي مَصَالِحِ الْجِهَادِ وَغَيْرِهَا فَلَا يُؤْتُونَهُ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ لَهُ، غَيْرَ طَيِّبَةٍ أَنْفُسُهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَ هَذِهِ النَّفَقَاتِ مَغَارِمَ مَضْرُوبَةً عَلَيْهِمْ، تَقُومُ بِهَا مَرَافِقُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ، فَلَا يَرَوْنَ لَهُمْ بِهَا نَفْعًا فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِنَفْعِهَا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْكُفْرَ وَحْدَهُ كَافٍ فِي عَدَمِ قَبُولِ نَفَقَاتِهِمْ، فَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى وَصْفِهِمْ بِالْكَسَلِ عِنْدَ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ، وَكُرْهِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ نَفَقَاتِ الْبِرِّ؟ وَتَمَحَّلَ الْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ أَوِ الْأَشْعَرِيَّةِ؟ فَإِنَّ وَصْفَهُمَا بِمَا ذُكِرَ تَقْرِيرٌ لِكُفْرِهِمْ، وَدَفْعٌ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) الْكَرَاهِيَةُ خِلَافُ الطَّوَاعِيَةِ، وَقَدْ جَعَلَهُمُ اللهُ طَائِعِينَ فِي قَوْلِهِ: طَوْعًا ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (قُلْتُ

) الْمُرَادُ بِطَوْعِهِمْ أَنَّهُمْ يَبْذُلُونَهُ مِنْ غَيْرِ إِلْزَامٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَمَا طَوْعُهُمْ ذَاكَ إِلَّا عَنْ كَرَاهِيَةٍ وَاضْطِرَارٍ، لَا عَنْ رَغْبَةٍ وَاخْتِيَارٍ اهـ. عَلَى أَنَّهُ فَسَّرَ الْكَرْهَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِالْإِكْرَاهِ.

وَالرَّاجِحُ عِنْدِي مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بَطَوْعِهِمْ مَا كَانَ بِقَصْدِ التَّقِيَّةِ لِإِخْفَاءِ كُفْرِهِمْ، وَهُوَ يَقْتَضِي كَرْهَهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَعَدَمَ إِخْلَاصِهِمْ فِيهِ، وَهُوَ مَا أَثْبَتَهُ لَهُمْ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ طَوَاعِيَةُ الْمَصْلَحَةِ أَوِ الطَّبْعِ، لَا طَاعَةُ الشَّرْعِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ التَّرْدِيدَ بَيْنَ الطَّوْعِ وَالْكَرْهِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ لَا يَقْتَضِي إِثْبَاتَ وُقُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ مَهْمَا يَكُنِ الْوَاقِعُ فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِوُجُودِ الْكُفْرِ الْمَانِعِ مِنَ الْقَبُولِ، وَمَنْ أَطَاعَ اللهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ وَعَصَاهُمَا فِيمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَلَا يُعَدُّ مُذْعِنًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُذْعِنًا لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>