للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَلَكُوتَ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِلَيْهِ نَتَوَجَّهُ، وَمِنْهُ نَرْجُو أَنْ يَبْسُطَ لَنَا فِي الرِّزْقِ بِمَا يُوَفِّقُنَا لَهُ مِنَ الْعَمَلِ، وَيَهَبُهُ لَنَا مِنَ النَّصْرِ - لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ.

الرَّغَبُ بِالتَّحْرِيكِ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، يُقَالُ رَغِبَهُ، وَيَتَعَدَّى بِـ " فِي " يُقَالُ: رَغِبَ فِيهِ، أَيْ: أَحَبَّ حُصُولَهُ لَهُ وَتَوَجَّهَ شَوْقُهُ إِلَى طَلَبِهِ، وَيَتَعَدَّى بِـ " عَنْ " لِضِدِّ ذَلِكَ، فَيُقَالُ: رَغِبَ " عَنْهُ، وَمِنْهُ: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (٢: ١٣) وَأَمَّا تَعْدِيَتُهُ بِـ " إِلَى فَهُوَ بِمَعْنَى التَّوَجُّهِ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي لَيْسَ بَعْدَهَا غَايَةٌ، وَلَا يَنْبَغِي هَذَا إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى إِذَا أُرِيدَ بِالْغَايَةِ مَا بَعْدَ الْأَسْبَابِ الْمَعْرُوفَةِ لِلْبَشَرِ وَهُوَ مَقَامُ التَّوَكُّلِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ

إِنَّهُمْ يَقُولُونَ، حَسْبُنَا اللهُ وَرَسُولُهُ، كَمَا يَقُولُونَ: سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ، فَلِلرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَسْبٌ فِي الْإِيتَاءِ بَعْدَ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّ الْمُحْسِبَ الْكَافِيَ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ: أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ (٣٩: ٣٦) ؟ وَقَالَ: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (٦٥: ٣) وَلِذَلِكَ اسْتُعْمِلَ فِي التَّنْزِيلِ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحَصْرِ، وَمَا ثَمَّ إِلَّا هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَمِثْلُهَا فِي سُورَةِ الْقَلَمِ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ (٦٨: ٣٢) وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ فِي سُورَةِ الِانْشِرَاحِ: وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٩٤: ٨) .

وَإِنَّمَا حُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنَ الْقَرِينَةِ، وَتَفْصِيلُ الْمَعْنَى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مِنَ اللهِ بِنِعْمَتِهِ، وَمِنَ الرَّسُولِ بِقِسْمَتِهِ، وَعَلَّقُوا أَمَلَهُمْ وَرَجَاءَهُمْ بِفَضْلِ اللهِ وَكِفَايَتِهِ، وَمَا سَيُنْعِمُ اللهُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَبِعَدْلِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْقِسْمَةِ، وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُمْ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ، لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنَ الطَّمَعِ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ، وَلَمْزِ الرَّسُولِ الْمَعْصُومِ مِنْ كُلِّ مَلْمَزٍ وَمَهْمَزٍ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَالْآيَتَانِ تَهْدِيَانِ الْمُؤْمِنَ إِلَى الْقَنَاعَةِ بِكَسْبِهِ وَمَا يَنَالُهُ بِحَقٍّ مِنْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ بِأَنْ يُوَجِّهَ قَلْبَهُ إِلَى رَبِّهِ، وَلَا يَرْغَبَ إِلَّا إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ رَغَائِبِهِ الَّتِي وَرَاءَ كَسْبِهِ وَحُقُوقِهِ الشَّرْعِيَّةِ، لَا إِلَى الرَّسُولِ، وَلَا إِلَى مَنْ دُونَهُ فَضْلًا وَعَدْلًا وَقُرْبًا مِنَ اللهِ تَعَالَى بِالْأَوْلَى، فَتَعِسًا لِعُبَّادِ الْقُبُورِ، وَالرَّاغِبِينَ إِلَى مَا دُفِنَ فِيهَا مِنْ مُهِمَّاتِ الْأُمُورِ.

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>