للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعْزِيزِ رَجُلٍ فِي دَعْوَتِهِ؟ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَرُبَّمَا أَثَّرَ فِي نُفُوسِ بَعْضِ الضُّعَفَاءِ فَاسْتَبْطَئُوا النَّصْرَ، فَعَلَّمَهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى مُجَاهَدَةِ الْخَوَاطِرِ وَالْهَوَاجِسِ، وَمُقَاوَمَةِ الشُّبُهَاتِ وَالْوَسَاوِسِ. فَأَمَرَ أَوَّلًا بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَعْظَمَ شَيْءٍ يُسْتَعَانُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَهُوَ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ دَعْوَةِ الْحَقِّ وَحِمَايَتِهِ، ذَكَرَهُ مُدْرَجًا فِي سِيَاقِ تَقْرِيرِ حَقِيقَةٍ وَدَفْعِ شُبْهَةٍ فَقَالَ: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ) أَيْ: لَا تَقُولُوا فِي شَأْنِهِمْ هُمْ أَمْوَاتٌ. وَقَالُوا: إِنَّ اللَّامَ فِي (لِمَنْ)

لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّبْلِيغِ، وَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ وَالتَّرْكِيبُ مَأْلُوفٌ (بَلْ) هُمْ (أَحْيَاءٌ) فِي عَالَمٍ غَيْرِ عَالَمِكُمْ (وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) بِحَيَاتِهِمْ إِذْ لَيْسَتْ فِي عَالَمِ الْحِسِّ الَّذِي يُدْرَكُ بِالْمَشَاعِرِ.

ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْحَيَاةُ حَيَاةً خَاصَّةً غَيْرَ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا جَمِيعُ الْمِلِّيِّينَ فِي جَمِيعِ الْمَوْتَى مِنْ بَقَاءِ أَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ أَشْبَاحِهِمْ ; وَلِذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ حَيَاةَ الشُّهَدَاءِ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَجْسَادِ وَإِنْ فَنِيَتْ أَوِ احْتَرَقَتْ أَوْ أَكَلَتْهَا السِّبَاعُ أَوِ الْحِيتَانُ، وَقَالُوا: إِنَّهَا حَيَاةٌ لَا نَعْرِفُهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ مِثْلَهُمْ: إِنَّنَا لَا نَعْرِفُهَا وَنَزِيدُ إِنَّنَا لَا نُثْبِتُ مَا لَا نَعْرِفُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا حَيَاةٌ يَجْعَلُ اللهُ بِهَا الرُّوحَ فِي جِسْمٍ آخَرَ يَتَمَتَّعُ بِهِ وَيُرْزَقُ، وَرَوَوْا فِي هَذَا رِوَايَاتٍ مِنْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) وَهُوَ ((إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ)) وَقِيلَ: إِنَّهَا حَيَاةُ الذِّكْرِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ الضَّلَالُ وَالْهُدَى - رُوِيَ هَذَا عَنِ الْأَصَمِّ - أَيْ: لَا تَقُولُوا إِنَّ بَاذِلَ رُوحِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ضَالٌّ بَلْ هُوَ مُهْتَدٍ. وَقِيلَ: إِنَّهَا حَيَاةٌ رُوحَانِيَّةٌ مَحْضَةٌ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ سَيَحْيَوْنَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ عَدَمًا مَحْضًا كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، فَالْآيَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ عَلَى حَدِّ (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (٨٢: ١٣، ١٤) أَيْ: إِنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْبَاحِثِينَ فِي الرُّوحِ إِنَّ الرُّوحَ إِنَّمَا تَقُومُ بِجِسْمٍ لَطِيفٍ ((أَثِيرِيٍّ)) فِي صُورَةِ هَذَا الْجِسْمِ الْمُرَكِّبِ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>