للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّنَاسُبَ الَّذِي يُوجَدُ بَيْنَ السُّورِ لَيْسَ سَبَبًا فِي هَذَا التَّرْتِيبِ الَّذِي بَيْنَهَا، فَرُبَّ سُورَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَقْوَى التَّنَاسُبِ فِي مَوْضُوعِ الْآيَاتِ وَمَسَائِلِهَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا تَارَةً وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا أُخْرَى، فَمِنَ الْأَوَّلِ الْفَصْلُ بَيْنَ سُورَتَيِ الْهُمَزَةِ وَاللهَبِ وَمَوْضُوعُهُمَا وَاحِدٌ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ السُّوَرِ الْمَبْدُوءَةِ بِلَا تَسْبِيحٍ بِسُورَةِ الْمُنَافِقِينَ. وَيُقَابِلُهَا مِنَ الْوَجْهِ الثَّانِي الْوَصْلُ بَيْنَ سُوَرِ الطَّوَاسِينِ وَسُوَرِ آلَ حَامِيمَ، وَبَيْنَ سُورَتَيِ الْمُرْسَلَاتِ وَالنَّبَأِ وَسُورَتَيِ التَّكْوِيرِ وَالِانْفِطَارِ، وَرُبَّمَا يُقَالُ إِنَّ التَّنَاسُبَ بَيْنَ أَكْثَرِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ أَقْوَى مِنْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ. وَمِنْ حِكْمَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْقَوِيَّةِ التَّنَاسُبُ فِي الْمَعَانِي كَالْمَكِّيَّةِ الَّتِي مَوْضُوعُ أَكْثَرِهَا الْعَقَائِدُ وَالْأُصُولُ الْعَامَّةُ وَالزَّوَاجِرُ الصَّادِعَةُ، وَالْمَدَنِيَّةِ الَّتِي مَوْضُوعُ أَكْثَرِهَا الْأَحْكَامُ الْعَمَلِيَّةُ - أَنَّهُ أَدْنَى إِلَى تَنْشِيطِ تَالِي الْقُرْآنِ بِالتَّرْتِيبِ وَأَنْأَى بِهِ عَنِ الْمَلَلِ، وَأَدْعَى لَهُ إِلَى التَّدَبُّرِ، فَهَذِهِ الْحِكْمَةُ تُشْبِهُ حِكْمَةَ تَفْرِيقِ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ فِي السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ عَقَائِدَ وَقَوَاعِدَ وَأَحْكَامٍ عَمَلِيَّةٍ، وَحِكَمٍ أَدَبِيَّةٍ، وَتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ، وَبِشَارَاتٍ وَنُذُرٍ، وَأَمْثَالٍ وَقَصَصٍ، وَالْعُمْدَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ التَّوْقِيفُ وَالِاتِّبَاعُ.

وَهَأَنَذَا أَشْرَعُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ مُلْتَزِمًا فِيهَا الْقَصْدَ وَالِاخْتِصَارَ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ لَهُ بَيَانٌ مُفَصَّلٌ فِي تَفْسِيرِ السُّوَرِ السَّابِقَةِ وَلَا سِيَّمَا السُّورَتَيْنِ الْمَكِّيَّتَيْنِ مِنَ السُّوَرِ الطُّوَلِ - الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ - وَإِنَّمَا أَبْسُطُ الْقَوْلَ فِيمَا لَمْ أَبْسُطْهُ فِيهِ تَمَامَ الْبَسْطِ مِنْ قَبْلُ، وَأَهَمُّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَسْأَلَةُ الْوَحْيِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>