للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَلَا إِنَّ لِلَّهَ كِتَابَيْنِ: كِتَابًا مَخْلُوقًا وَهُوَ الْكَوْنُ، وَكِتَابًا مُنَزَّلًا وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّمَا يُرْشِدُنَا هَذَا إِلَى طُرُقِ الْعِلْمِ بِذَاكَ بِمَا أُوتِينَا مِنَ الْعَقْلِ، فَمَنْ أَطَاعَ فَهُوَ مِنَ الْفَائِزِينَ، وَمَنْ أَعْرَضَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)

هَذِهِ الْآيَاتُ مُبَيِّنَةٌ لِحَالِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ تِلْكَ الْآيَاتِ الَّتِي أَقَامَتْهَا الْآيَةُ السَّابِقَةُ عَلَى تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ ; وَلِذَلِكَ جَعَلُوا بِهِ أَنْدَادًا يَلْتَمِسُونَ مِنْهُمُ الْخَيْرَ وَالرَّحْمَةَ، وَيَدْفَعُونَ بِبَرَكَتِهِمُ الْبَلَاءَ وَالنِّقْمَةَ، وَيَأْخُذُونَ عَنْهُمُ الدِّينَ وَالشِّرْعَةَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ النِّدَّ هُوَ الْمُمَاثِلُ، وَزَادَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ فِيهِ قَيْدًا فَقَالَ: إِنَّهُ الْمُمَاثِلُ الَّذِي يُعَارِضُ مِثْلَهُ وَيُقَاوِمُهُ، وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مُتَّخِذِي الْأَنْدَادِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُمَاثِلُونَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَسُلْطَانِهِ يُعَارِضُونَهُ فِي الْخَلْقِ وَيُقَاوِمُونَهُ فِي التَّدْبِيرِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَصَّ عَلَيْنَا خَبَرَ مُتَّخِذِي الْأَنْدَادِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ صَرِيحَةٍ فِي أَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الَّذِي يُفْهَمُ أَوْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُفَسِّرِينَ ; بَلْ يَعْتَقِدُونَ - غَالِبًا - أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَأَنَّ الْأَنْدَادَ وُسَطَاءُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَيْهِ، وَيَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَهُ، وَيَقْضُونَ حَاجَاتِهِمْ بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ أَوْ يَقْضِيهَا هُوَ لِأَجْلِهِمْ. وَيَحْتَجُّونَ لِهَذِهِ الْعَقِيدَةِ بِأَنَّ الْمُذْنِبِينَ الْمُقَصِّرِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْوُصُولَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِأَنْفُسِهِمْ، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَعَالَى كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنَ الرَّعَايَا الضُّعَفَاءِ مَعَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ، وَالْوَثَنِيُّونَ يَقِيسُونَ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَعُظَمَاءِ الْخَلْقِ، وَلَا سِيَّمَا الْمُسْتَبِدِّينَ مِنْهُمُ الَّذِينَ اسْتَعْبَدُوا النَّاسَ اسْتِعْبَادًا بَلْ تَعَبَّدُوهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>