للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِهَذَا الْفَسَادِ، كَمَا يَكُونُ الْمَرَضُ أَثَرًا طَبِيعِيًّا لِمُخَالَفَةِ قَوَانِينِ الصِّحَّةِ وَوَصَايَا الطَّبِيبِ. فَقَالَ: إِذَا كَانَ سَبَبُ الْعَذَابِ مِنَ الدَّاخِلِ لَا مِنَ الْخَارِجِ فَهُوَ مَعْقُولٌ.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) .

فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْمُنَزَّلَتَيْنِ إِرْشَادٌ إِلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ آيَاتِ اللهِ الْكَوْنِيَّةِ، الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَكَوْنِهِ مِنْ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ، وَاطِّرَادِ النِّظَامِ التَّامِّ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ تَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاسْتِوَاءِ الْخَالِقِ عَلَى عَرْشِهِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، وَيُقِيمُ النِّظَامَ فِي الْخَلْقِ، الَّتِي سِيقَتْ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَحَقِّيَّةِ الْوَحْيِ.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) الضِّيَاءُ: اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَضَاءَ يُضِيءُ وَجَمْعُ ضَوْءٍ، كَسِيَاطٍ وَسَوْطٍ وَحِيَاضٍ وَحَوْضٍ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: (ضِئَاءً) عَلَى الْقَلْبِ بِتَقْدِيمِ لَامِ الْكَلِمَةِ عَلَى عَيْنِهَا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَشَرْحِهِ: (الضَّوْءُ) هُوَ النُّورُ (وَيُضَمُّ) وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ عِنْدَ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَقِيلَ: الضَّوْءُ أَقْوَى مِنَ النُّورِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَلِذَا شَبَّهَ اللهُ هُدَاهُ بِالنُّورِ دُونَ الضَّوْءِ وَإِلَّا لَمَا ضَلَّ أَحَدٌ، وَتَبِعَهُ

الطِّيبِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْفَلَكِ الدَّائِرِ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ السِّكِّيتِ، وَحَقَّقَ فِي الْكَشْفِ أَنَّ الضَّوْءَ فَرْعُ النُّورِ وَهُوَ الشُّعَاعُ الْمُنْتَشِرُ، وَجَزَمَ الْقَاضِي زَكَرِيَّا بِتَرَادُفِهِمَا لُغَةً بِحَسْبِ الْوَضْعِ، وَأَنَّ الضَّوْءَ أَبْلَغُ بِحَسْبِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقِيلَ: الضَّوْءُ لِمَا بِالذَّاتِ كَالشَّمْسِ وَالنَّارِ، وَالنُّورُ لِمَا بِالْعَرَضِ وَالِاكْتِسَابِ مِنَ الْغَيْرِ، هَذَا حَاصِلُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَجَمْعُهُ أَضْوَاءٌ (كَالضِّوَاءِ وَالضِّيَاءِ بِكَسْرِهِمَا) لَكِنْ فِي نُسْخَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ ضَبْطُ الْأَوَّلِ بِالْفَتْحِ وَالثَّانِي بِالْكَسْرِ، وَفِي التَّهْذِيبِ عَنِ اللَّيْثِ: الضَّوْءُ وَالضِّيَاءُ مَا أَضَاءَ لَكَ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا عَنِ الْمُحْكَمِ أَنَّ الضِّيَاءَ يَكُونُ جَمْعًا أَيْضًا، قُلْتُ: هُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) (٢: ٢٠) اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>