للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ مَا لَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَنْ فَضْلِهِ مِنْ عَاصِمٍ يَحْفَظُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ كَعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، كَالشُّفَعَاءِ الَّذِينَ يَشْفَعُونَ بِإِذْنِهِ لِمَنِ ارْتَضَى مِنْ عِبَادِهِ إِظْهَارًا لِكَرَامَتِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ الْخَاصَّةَ لَا نَصِيبَ فِيهَا لِمُنْتَحِلِي الشَّفَاعَةِ الشِّرْكِيَّةِ، الَّذِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ لِشُفَعَائِهِمْ تَأْثِيرًا فِي مَشِيئَةِ اللهِ وَأَفْعَالِهِ، حَتَّى يَحْمِلُوهُ عَلَى فِعْلِ مَا لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ لَوْلَا شَفَاعَتُهُمْ، فَيَجْعَلُونَ ذَاتَهُ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالَهُ مَعْلُولَةً تَابِعَةً لِمَا يَطْلُبُونَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا

شَفَاعَةُ الْإِيمَانِ الصَّحِيحَةُ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِمَشِيئَتِهِ وَلِمَرْضَاتِهِ (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) (٢١: ٢٨) (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) أَيْ كَأَنَّمَا قُدَّ لِوُجُوهِهِمْ قِطَعٌ مِنْ أَدِيمِ اللَّيْلِ، حَالَةَ كَوْنِهِ حَالِكًا مُظْلِمًا، لَيْسَ فِيهِ بَصِيصٌ مِنْ نُورِ قَمَرٍ طَالِعٍ، وَلَا نَجْمٍ ثَاقِبٍ، فَأُغْشِيَتْهَا قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ، فَصَارَتْ ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَإِنَّهُ لَتَشْبِيهٌ عَظِيمٌ فِي بَلَاغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي خِذْلَانِهِمْ وَفَضِيحَتِهِمُ الَّتِي تَكْسِفُ نُورَ الْفِطْرَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَوَادَ وُجُوهِهِمْ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أَيْ أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذَكَرَهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ، خَالِدُونَ فِيهَا لَا يَبْرَحُونَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَأْوًى سِوَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَةٍ أُخْرَى. وَقَدْ يَدْخُلُهَا بَعْضُ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَاقَبُونَ عَلَى مَا اجْتَرَحُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا.

هَذَا الْوَصْفُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ لَهُ نَظِيرٌ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَعْمَى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٨: ٣٨ - ٤٢) وَفِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) (٧٥: ٢٢ - ٢٥) وَهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ تُرَجِّحُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْحُسْنَى فِي آيَةِ يُونُسَ هِيَ مَرْتَبَةُ النَّظَرِ إِلَى الرَّبِّ، فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَأَوْلَادَنَا وَأَهْلَ بَيْتِنَا وَإِخْوَانِنَا الصَّادِقِينَ مِنْ أَهْلِهَا.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينِ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لِغَافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>