للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي نَاحِيَةٍ لَا يَصِلُهُ بِالْآخَرِ شَيْءٌ. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفِ حَالٍ مِنَ الْفَاعِلِ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَمِنْ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ الْخَاصَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا) وَ (سُبْحَانَ اللهِ) فَإِذَا فَسَّرْتَ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ وَالْإِرْجَاعِ إِلَى الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ فَقُلْتَ فِي الْأَوَّلِ: كَفَى اللهُ شَهِيدًا أَوْ كَفَتْ شَهَادَتُهُ، وَفِي الثَّانِي: تَسْبِيحًا لِلَّهِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرُ الْأَوَّلِ وَمَوْقِعُهُ مِنَ النَّفْسِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ الْخَاصَّةِ تُوجَدُ فِي كُلِّ لُغَةٍ.

(يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)

ذَكَرَ (الْجَلَالُ) أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى نَزَلَتْ فِيمَنْ حَرَّمَ السَّوَائِبَ وَنَحْوَهَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي طَوَائِفَ مِنَ الْعَرَبِ كَمُدْلِجٍ وَبَنِي صَعْصَعَةَ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: لَوْ صَحَّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ لَمَا كَانَ مُقْتَضِيًا فَصْلَ الْآيَةِ مِمَّا قَبْلَهَا وَجَعْلَهَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَتَمَّ الِاتِّصَالِ. فَإِنَّ الْآيَاتِ الْأُولَى بَيَّنَتْ حَالَ مُتَّخِذِي الْأَنْدَادِ وَمَا سَيُلَاقُونَ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى، وَقَدْ قُلْنَا فِي تَفْسِيرِهَا: إِنَّ الْأَنْدَادَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يُتَّخَذُ شَارِعًا يُؤْخَذُ بِرَأْيِهِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَلَاغًا عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ يُجْعَلُ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ حُجَّةً بِذَاتِهِ لَا يُسْأَلُ مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ

وَهَلْ هُوَ فِيهِ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِ أَمْ لَا، وَقِسْمٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَيُدْعَى فِي دَفْعِ الْمَضَارِّ وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ مِنْ طَرِيقِ السُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ لَا مِنْ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَعْتَمِدُونَ عَلَى إِغَاثَةِ هَؤُلَاءِ الْأَنْدَادِ لِلنَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ مِنْ عَالَمِ الْأَسْبَابِ، ثُمَّ بَيَّنَتْ أَنَّ النَّاسَ يَتَّبِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي ذَلِكَ، وَأَنْ سَيَتَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْعَذَابِ وَتَقَطُّعِ الْأَسْبَابِ بَيْنَهُمْ، وَقُلْنَا فِي تَفْسِيرِهَا: إِنَّ الْأَسْبَابَ هِيَ الْمَنَافِعُ الَّتِي يَجْنِيهَا الرُّؤَسَاءُ مِنَ الْمَرْءُوسِينَ وَالْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ الَّتِي تَصِلُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ. وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ يُبَيِّنُ تَعَالَى أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ مُحَرَّمَةٌ ; لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى أَكْلِ الْخَبَائِثِ وَاتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَهَى

<<  <  ج: ص:  >  >>