للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِمَا بَيَّنَّا بِهِ وِلَايَةَ اللهِ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ لِعِبَادِهِ، وَوِلَايَتَهُمْ لَهُ، أَوْ لِلشَّيْطَانِ وَالطَّاغُوتِ، وَوِلَايَةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَضَلَالِ بَعْضِهِمْ بِجَعْلِ وِلَايَةِ اللهِ الْخَاصَّةَ بِهِ لِبَعْضِ عِبَادِهِ، (وَهُمُ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمْ أَوْلِيَاءَ اللهِ بِمَا يَسْلُبُهُمُ اسْتِحْقَاقَ هَذَا اللَّقَبِ، وَذَكَرْنَا فِي شَوَاهِدِ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةَ.

أَوْلِيَاءُ اللهِ أَضْدَادُ أَعْدَائِهِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ، وَالْكَافِرِينَ بِنِعَمِهِ، فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْآيَةُ، وَهُمْ دَرَجَاتٌ أَعْلَاهُمْ دَرَجَةً هُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَحُبِّهِ وَالْحُبِّ فِيهِ، وَالْوِلَايَةِ لَهُ، فَلَا يَتَّخِذُونَ لَهُ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ مِنْ نَوْعِ حُبِّهِ، وَلَا يَتَّخِذُونَ مِنْ دُونِهِ وَلِيًّا وَلَا شَفِيعًا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى، وَلَا وَكِيلًا وَلَا نَصِيرًا فِيمَا يَخْرُجُ عَنْ تَوْفِيقِهِمْ لِإِقَامَةِ سُنَنِهِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ، وَيَتَوَلَّوْنَ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٦: ٥١) وَقَالَ:

(مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) (٣٢: ٤) وَقَالَ: (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (٣٣: ١٧) وَقَالَ فِي آيَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مِنْهَا: (وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا) (٣٣: ٣، ٤٨) وَالْآيَاتُ كَثِيرَةٌ فِي تَوَلِّيهِمْ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَتَوَلِّيهِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْإِعَانَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّوْفِيقِ.

وَحَسْبُنَا هُنَا مَا نَفَاهُ عَنْهُمْ وَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ ثُمَّ مَا زَفَّهُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبِشَارَةِ، فَأَمَّا مَا نَفَاهُ مُخْبِرًا بِهِ عَنْهُمْ فَقَوْلُهُ: (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وَهُوَ مَا نَفَاهُ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ وَالْمُصْلِحِينَ وَالْمُتَّقِينَ فِي الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ (رَاجِعْ ٢: ٦٢، ٥: ٦٩ و٦: ٤٨، ٧: ٣٥، ٤٩ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا) فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ حَيْثُ يَتَحَقَّقُ هَذَا عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فَلَا خَوْفَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ وَيُرْهَقُونَ بِهِ مِمَّا يَخَافُ الْكُفَّارُ وَالْفُسَّاقُ وَالظَّالِمُونَ مِنْ أَهْوَالِ الْمَوْقِفِ وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ إِبْعَادِهِمْ عَنْ جَهَنَّمَ: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) (٢١: ١٠٣) الْآيَةَ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا تَرَكُوا وَرَاءَهُمْ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلَا يَخَافُونَ مِمَّا يَخَافُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ وَعَبِيدِ الدُّنْيَا مِنْ مَكْرُوهٍ يُتَوَقَّعُ كَلِقَاءِ الْعَدُوِّ، قَالَ: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣: ١٧٥) أَوْ بَخْسٍ فِي الْحُقُوقِ أَوْ رَهَقٍ يَغْشَاهُمْ بِالظُّلْمِ وَالذُّلِّ، قَالَ: (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) (٧٢: ١٣) (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) مِنْ مَكْرُوهٍ أَوْ ذَهَابِ مَحْبُوبٍ وَقَعَ بِالْفِعْلِ كَمَا قَالَ: (لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ) (٥٧: ٢٣) وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ فِي الدُّنْيَا كَخَوْفِ الْكُفَّارِ وَلَا يَحْزَنُونَ كَحُزْنِهِمْ، وَسَنَذْكُرُ نَفْيَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ عَنْهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا أَصْلُ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ فَهُوَ مِنَ الْأَعْرَاضِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ أَصْبَرَ النَّاسِ وَأَرْضَاهُمْ بِسُنَنِ اللهِ، اعْتِقَادًا وَعِلْمًا بِأَنَّهُ إِذَا ابْتَلَاهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا يُخِيفُ أَوْ يُحْزِنُ فَإِنَّمَا يُرَبِّيهِمْ بِذَلِكَ لِتَكْمِيلِ نُفُوسِهِمْ وَتَمْحِيصِهَا بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ الَّذِي يَزْدَادُ بِهِ أَجْرُهُمْ كَمَا صَرَّحَتْ بِذَلِكَ الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>