للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ عَلَى لِسَانِهِ وَلِسَانِ مَنْ قَبْلَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَأُشِيرُ إِلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ: (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ)

عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هَنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ رِسَالَتُهُ أَوِ الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ وَأَتَمُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ: (لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (٤: ١٦٦) وَقَوْلِهِ: (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (١١: ١٤) وَقَوْلِهِ: (بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ) (٧: ٥٢) فَقَدْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى بِشَارَةِ أَنْبِيَائِهِمْ بِهِ قَبْلَ بِعْثَتِهِ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ: إِنَّ الْمُرَادَ هَنَا عِلْمُ الدِّينِ مُطْلَقًا، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ كَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أُوتُوا الْكُتُبَ مِنْ وُجُوهٍ فَصَّلْنَاهَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْعَامَّةِ فِي الِاخْتِلَافِ وَهِيَ (٢: ٢١٣) وَفِي الْآيَةِ ١٩ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمَا هِيَ بِبَعِيدٍ (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) إِذْ جَعَلُوا الدَّوَاءَ عَيْنَ الدَّاءِ فِي أَمْرِ الدِّينِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ بَغْيًا بَيْنَهُمْ.

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونُنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلَا تَكُونُنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) .

هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فَذْلَكَةُ هَذَا السِّيَاقِ الَّذِي كَانَ ذِكْرُ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ شَوَاهِدَ فِيهِ، وَهِيَ تَقْرِيرُ صِدْقِ الْقُرْآنِ فِي دَعْوَتِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَكَوْنِهِ لَا مَجَالَ لِلِامْتِرَاءِ فِيهِ، وَبَيَانِ الدَّاعِيَةِ النَّفْسِيَّةِ لِلْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ، وَتَوْجِيهِ الِاعْتِبَارِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ مَقْرُونًا بِالْإِنْذَارِ، بِأُسْلُوبِ التَّعْرِيضِ وَالتَّلَطُّفِ فِي الْعِبَارَةِ، عَلَى حَدِّ: إِيَّاكَ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) أَيْ فَإِنْ كُنْتَ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِي

شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا فِي هَذِهِ الشَّوَاهِدِ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى وَنُوحٍ وَغَيْرِهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، الَّذِي ذُكِرَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَقْدِيرِ الشَّكِّ فِي الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>