للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَوَاخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ، أَنَّ الرِّجْسَ لَفْظٌ يُعَبِّرُ عَنْ أَقْبَحِ الْخُبْثِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ مَبْعَثُ الشَّرِّ وَالْإِثْمِ.

(قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظَرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظَرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) .

هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ إِرْشَادٌ لِلْعُقَلَاءِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَ مِمَّا قَبْلَهَا أَنَّ سُنَّةَ اللهِ تَعَالَى فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ، أَنْ خَلَقَهُ مُسْتَعِدًّا لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَهُ الِاخْتِيَارُ لِنَفْسِهِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ الْحَرِيصَ عَلَى إِيمَانِ النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِمْ مُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَجْعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْإِيمَانِ وَحْدَهُ وَلَا عَلَى الْكُفْرِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ مَدَارَ سَعَادَتِهِمْ عَلَى حُسْنِ اسْتِعْمَالِ عُقُولِهِمْ بِاخْتِيَارِهِمْ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَمَا الرَّسُولُ إِلَّا بَشِيرٌ

وَنَذِيرٌ يُبَيِّنُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ لِلْعَقْلِ الْمُسْتَنِيرِ، فَالدِّينُ مُسَاعِدٌ لِلْعَقْلِ عَلَى حُسْنِ الِاخْتِيَارِ إِذَا أَحْسَنَ النَّظَرَ وَالتَّفْكِيرَ، وَاللهُ تَعَالَى يَأْمُرُ بِهِمَا بِمِثْلِ قَوْلِهِ: (

قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِقَوْمِكَ الَّذِينَ تَحْرِصُ عَلَى هُدَاهُمْ: انْظُرُوا بِعُيُونِ أَبْصَارِكُمْ وَبَصَائِرِكُمْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ آيَاتِ اللهِ الْبَيِّنَاتِ، وَالنِّظَامِ الدَّقِيقِ وَالْعَجِيبِ فِي شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا، وَكَوَاكِبِهَا وَنُجُومِهَا، وَبُرُوجِهَا وَمَنَازِلِهَا، وَلَيْلِهَا وَنَهَارِهَا، وَسَحَابِهَا وَمَطَرِهَا، وَهَوَائِهَا وَمَائِهَا، وَبِحَارِهَا وَأَنْهَارِهَا، وَأَشْجَارِهَا وَثِمَارِهَا، وَأَنْوَاعِ حَيَوَانَاتِهَا الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ، فَفِي كُلِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُبْصِرُونَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِ خَالِقِهَا وَقُدْرَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَوَحْدَةُ النِّظَامِ فِي جُمْلَتِهَا وَفِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا هُوَ الْآيَةُ الْكُبْرَى عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، ثُمَّ انْظُرُوا مَاذَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْهَا، كَمَا قَالَ: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (٥١: ٢٠ و٢١) إِنَّهُ يُرِيكُمْ كُلَّ هَذِهِ الْآيَاتِ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ النَّفْيُ وَالِاسْتِفْهَامُ، وَالنُّذُرُ فِيهَا جَمْعُ نَذِيرٍ أَوْ إِنْذَارٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةَ عَلَى ظُهُورِ دَلَالَتِهَا، وَالنُّذُرَ التَّشْرِيعِيَّةَ عَلَى بَلَاغَةِ حُجَّتِهَا، لَا فَائِدَةَ فِيهِمَا وَلَا غِنَى لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>