للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) صِفَةٌ لِلظَّالِمِينَ الْمَلْعُونِينَ، أَيْ هُمُ الَّذِينَ يَمْنَعُونَ النَّاسَ وَيَصْرِفُونَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ الْمُوصِلَةِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَهِيَ دِينُهُ الْقَيِّمُ وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ (وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) أَيْ يَصِفُونَهَا بِالْعِوَجِ وَالِالْتِوَاءِ لِلتَّنْفِيرِ عَنْهَا، أَوْ يُرِيدُونَ أَنْ تَكُونَ عَوْجَاءَ بِمُوَافَقَتِهَا لِأَهْوَائِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَإِبَاحَةِ الظُّلْمِ وَالْفِسْقِ (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِالْآخِرَةِ لَا يُؤْمِنُونَ بِبَعْثٍ وَلَا جَزَاءٍ، وَإِنَّمَا الدِّينُ عِنْدَهُمْ رَابِطَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَشَعَائِرُ قَوْمِيَّةٌ، قَدْ يَتَعَصَّبُونَ لَهَا تَعَصُّبَهُمْ لِقَوْمِيَّتِهِمْ، وَتَقْلِيدًا لِآبَائِهِمْ، وَهَكَذَا شَأْنُ الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُبْتَدِعَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، الْمُدَّعِينَ لِدِينِ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا تَرَاهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ.

وَزِيَادَةُ - هُمْ - بَيْنَ الْمُتَبَدَّإِ وَالْخَبَرِ لِلتَّأْكِيدِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ هَذِهِ الْآيَةِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الْآيَةِ (٤٥) مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ (٧) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي الْجُزْءِ التَّاسِعِ.

(أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أَيْ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ اللهَ فِي الدُّنْيَا أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بِظُلْمِهِمْ وَصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِهِ وَكُفْرِهِمْ بِكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَلِقَائِهِ (وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ) وَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا أَوْلِيَاءُ مِنْ دُونِهِ يَتَوَلَّوْنَ أَمْرَهُمْ عِنْدَهُ، وَلَا أَنْصَارُ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عِقَابِهِ وَيَنْصُرُونَهُمْ، وَلَكِنْ سَبَقَتْ كَلِمَتُهُ وَاقْتَضَتْ مَشِيئَتُهُ وَحِكْمَتُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ (يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ) فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ يَكُونُ مِنْ عِقَابِهِمْ فِي الدُّنْيَا لَوْ عُوقِبُوا فِيهَا، لَا بِالزِّيَادَةِ عَمَّا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْهُ بِمُقْتَضَى سُنَّتِهِ - تَعَالَى - فِي إِفْسَادِ كُفْرِهِمْ لِأَرْوَاحِهِمْ، وَتَدْسِيَةِ ظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ.

قَرَأَ الْجُمْهُورُ ((يُضَاعَفُ)) مِنَ الْمُضَاعَفَةِ، وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ ((يُضَعَّفُ)) بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّضْعِيفِ. وَعَلَّلَ هَذِهِ الْمُضَاعَفَةَ بِقَوْلِهِ: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) أَيْ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ إِلْقَاءَ أَسْمَاعِهِمْ إِلَى الْقُرْآنِ إِصْغَاءً لِدَعْوَةِ الْحَقِّ وَكَلَامِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِاسْتِحْوَاذِ الْبَاطِلِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَزُيِّنَ الْكُفْرُ وَالظُّلْمُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بَلْ كَانُوا (يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) (٦: ٢٦) ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهِمْ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (٤١: ٢٦) (وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، أَيْ إِنَّهُمْ لِشِدَّةِ انْهِمَاكِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَلَوَازِمِهِ مِنَ الْبَاطِلِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ، صَارُوا يَكْرَهُونَ الْحَقَّ وَالْهُدَى كَرَاهَةً شَدِيدَةً، بِحَيْثُ يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ سَمَاعُ مَا يُبَيِّنُهُ مِنَ الْآيَاتِ السَّمْعِيَّةِ، وَمَا يُثْبِتُهُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَصَرِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>