للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا يَقُولُونَ: أَنْجِدُوا أَسْهَلَ وَأَنَّهُمْ. وَيُقَالُ: أَخْبَتَ إِلَيْهِ وَأَخْبَتَ لَهُ، وَمِنَ الثَّانِي: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

(٢٢: ٥٤) وَذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ الْمُخْبِتِينَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ وَسَطًا بَيْنَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ (لَا يَزَالُونَ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ، وَمَا أَحْسَنَ مَا فَعَلَهُ الرَّاغِبُ مِنَ التَّنْظِيرِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُخْبَتِي الْقُلُوبِ، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ فِيهِمْ: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (٢: ٧٤) (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أُولَئِكَ الْمُتَّصِفُونَ بِمَا ذُكِرَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا بِالذَّاتِ الْخَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا.

(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) أَيْ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ اللَّذِينَ تَقَدَّمَ وَصْفُهُمَا وَبَيَانُ حَالِهِمَا، فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ لِابْتِلَائِهِ - تَعَالَى - لِلنَّاسِ لِيَظْهَرَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَالصِّفَةُ الْحِسِّيَّةُ الْمُطَابِقَةُ لِحَالِهِمَا، كَمَثَلِ الْأَعْمَى الْفَاقِدِ لِحَاسَّةِ الْبَصَرِ فِي خِلْقَتِهِ، وَالْأَصَمِّ الْفَاقِدِ لِحَاسَّةِ السَّمْعِ، كَذَلِكَ فِي حِرْمَانِهِ مِنْ مَصَادِرِ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّةِ، وَمَنْ هُوَ كَامِلُ حَاسَّتَيِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ كِلْتَيْهِمَا، فَهُوَ يَسْتَمِدُّ الْعِلْمَ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي التَّكْوِينِ وَالتَّشْرِيعِ بِمَا يَسْمَعُ مِنَ الْقُرْآنِ وَبِمَا يَرَى مِنَ الْأَكْوَانِ، وَهُمَا الْيَنْبُوعَانِ اللَّذَانِ يُفِيضَانِ الْعِلْمَ وَالْهُدَى عَلَى عَقْلِ الْإِنْسَانِ (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا) أَيْ هَلْ يَسْتَوِي الْفَرِيقَانِ صِفَةً وَحَالًا وَمَبْدَأً وَمَآلًا؟ كَلَّا إِنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) أَيْ أَتَجْهَلُونَ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ هَذَا الْمَثَلَ الْحِسِّيَّ الْجَلِيَّ، أَوْ أَتَغْفُلُونَ عَنْهُ فَلَا تَتَذَكَّرُونَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّبَايُنِ فَتَعْتَبِرُوا بِهِ؟ أَيْ يَجِبُ أَنْ تَتَفَكَّرُوا فَتَتَذَكَّرُوا فَتَعْتَبِرُوا وَتَهْتَدُوا.

شَبَّهَ فَرِيقَ الْكَافِرِينَ أَوَّلًا بِالْأَعْمَى فِي عَدَمِ اسْتِعْمَالِ بَصَرِهِ فِيمَا يَفْضُلُ بِهِ بَصَرَ الْحَيَوَانِ الْأَعْجَمِ، مِنْ فَهْمِ آيَاتِ اللهِ الَّتِي تَزِيدُهُ عِلْمًا وَعَقْلًا وَهُدًى رُوحِيًّا، ثُمَّ شَبَّهَهُ بِالْأَصَمِّ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ عَطْفِهِ عَلَى الْأَعْمَى لِيَتَأَمَّلَ الْعَاقِلُ كُلَّ تَشْبِيهٍ وَحْدَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي الْمُنَافِقِينَ: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (٢: ١٨) بِدُونِ عَطْفٍ، فَالْمُرَادُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ: التَّهْوِيلُ بِجَمْعِهِمْ لِلنَّقَائِصِ الثَّلَاثِ كُلِّهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَبْقَ فِي اسْتِعْدَادِهِمْ مَنْفَذٌ لِلْهُدَى، وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ قَوْلَهُ فِي الْآيَةِ: (فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) (٢: ١٨) وَفِي الْآيَةِ: (فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (٢: ١٧١) وَمِنَ الْإِيجَازِ فِي الْآيَةِ عَطْفُهُ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُتَقَابِلَةِ لِلْفَرِيقَيْنِ، وَتَرْكُهُ لِلسَّامِعِ وَالْقَارِئِ التَّوْزِيعَ، وَالتَّفْرِيقَ بَيْنَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ التَّشْبِيهَيْنِ الْمُتَضَامِنَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>