للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ

هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي إِنْجَاءِ هُودٍ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ، وَالْجَزَاءِ وَالْعُقُوبَةِ لِقَوْمِهِ الْمُعَانِدِينَ، (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا) عَذَابُنَا أَوْ وَقْتُهُ (نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أَيْ بِرَحْمَةٍ مِنْ لَدُنَّا خَاصَّةٍ بِهِمْ. مُخَالِفَةٍ لِلْعَادَةِ فِي أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ الْعَارِضِ الَّذِي يُصِيبُ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، وَهِيَ الَّتِي أُشِيرَ إِلَيْهَا فِي قَوْلِ نُوحٍ لِوَلَدِهِ: (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) (٤٣) (وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) أَعَادَ فِعْلَ التَّنْجِيَةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ (مِنَّا) الَّتِي هِيَ صِفَةُ الرَّحْمَةِ وَبَيْنَ (مِنْ) الدَّاخِلَةِ عَلَى الْعَذَابِ. أَيْ: وَإِنَّمَا نَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ شَدِيدِ الْغِلْظَةِ، فَظِيعٍ شَدِيدِ الْفَظَاعَةِ، غَيْرِ مَعْهُودٍ فِي الْعَالَمِ، وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ، الَّتِي لَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ، وَبِقَوْلِهِ: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٥٤: ١٩ و٢٠) وَقَوْلِهِ فِي وَصْفِ هَذِهِ الرِّيحِ الْعَاتِيَةِ: (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) (٦٩: ٧ و٨) .

(وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ

رَبِّهِمْ) أَيْ: كَفَرُوا بِجِنْسِ الْآيَاتِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا رُسُلَهُ بِجُحُودِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُولُهُمْ مِنْهَا، أَنَّثَ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِمْ عَلَى إِرَادَةِ الْقَبِيلَةِ، وَقِيلَ: إِشَارَةً إِلَى آثَارِهِمْ، وَالْجُحُودُ بِالْآيَاتِ تَكْذِيبُ الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَةِ عِنَادًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، كَمَا قَالَ فِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) (٢٧: ١٤) (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) أَيْ: عَصَوْا جِنْسَهُمْ بِعِصْيَانِ رَسُولِهِ إِلَيْهِمْ وَإِنْكَارِ رِسَالَتِهِ ; فَإِنَّ عِصْيَانَ الْوَاحِدِ عِصْيَانٌ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ، إِذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رَفْضِ الرِّسَالَةِ نَفْسِهَا، بِادِّعَاءِ

أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَكُونُ بَشَرًا (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أَيْ وَاتَّبَعَ سَوَادُهُمْ وَدَهْمَاؤُهُمْ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ رُؤَسَائِهِمُ الطُّغَاةِ الْعُتَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>