للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِهِ الْآيَاتُ الْخَمْسُ خَاصَّةٌ بِبِشَارَةِ الْمَلَائِكَةِ لِإِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَتِهِ بِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.

- وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى - خَبَرٌ مُؤَكَّدٌ بِالْقَسَمِ لِغَرَابَتِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ، مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا: ٢٥ أَوْ عَلَى مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ لَا عَلَى مَا قَبْلَهُ مُبَاشَرَةً مِنْ قِصَّةِ صَالِحٍ الَّتِي عُطِفَتْ عَلَى قِصَّةِ هُودٍ لِتَمَاثُلِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالرُّسُلِ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِمْ، فَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُمْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُمْ جِبْرِيلُ وَسَبْعَةُ أَمْلَاكٍ مَعَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنَ الْوَحْيِ وَلَا تَوْقِيفَ فِيهِ. وَسَتُذْكَرُ الْبُشْرَى بَعْدَ التَّحِيَّةِ وَالضِّيَافَةِ: - قَالُوا سَلَامًا - أَيْ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ سَلَامًا، أَوْ ذَكَرُوا هَذَا اللَّفْظَ - قَالَ سَلَامٌ - أَيْ: أَمْرُكُمْ سَلَامٌ، أَوْ عَلَيْكُمْ سَلَامٌ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الرَّفْعَ أَبْلَغُ مِنَ النَّصْبِ ; فَقَدْ حَيَّاهُمْ بِأَحْسَنَ مِنْ تَحِيَّتِهِمْ، أَيْ عَلَى عَادَتِهِ وَدَأْبِهِ فِي إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَظَنَّ أَنَّهُمْ أَضْيَافٌ - فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ - أَيْ: مَا مَكَثَ وَمَا أَبْطَأَ

عَنْ مَجِيئِهِ إِيَّاهُمْ بِعِجْلٍ سَمِينٍ حَنِيذٍ: أَيْ مَشْوِيٍّ بِالرَّضْفِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمَحْمِيَّةُ - وَالْمَشْوِيُّ عَلَيْهَا يَكُونُ أَنْظَفُ مِنَ الْمَشْوِيِّ عَلَى النَّارِ وَأَلَذُّ طَعْمًا، وَقَدِ اهْتَدَى الْبَشَرُ إِلَى شَيِّ اللَّحْمِ مِنْ صَيْدٍ وَغَيْرِهِ عَلَى الْحِجَارَةِ الْمَحْمِيَّةِ بِحَرِّ الشَّمْسِ قَبْلَ اهْتِدَائِهِمْ لِطَبْخِهِ بِالنَّارِ، وَفِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ بَعْدَ السَّلَامِ: - فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ - ٥١: ١٦ و٢٧ وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْإِتْيَانِ بِهِ بِدُونِ مُهْلَةٍ كَأَنَّهُ كَانَ مَشْوِيًّا مُعَدًّا لِمَنْ يَجِيءُ مِنَ الضَّيْفِ، أَوْ شُوِيَ عِنْدَ وُصُولِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَرَيُّثٍ.

- فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ - أَيْ لَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ لِلتَّنَاوُلِ مِنْهُ كَمَا يَمُدُّ الْآكِلُ يَدَهُ إِلَى الطَّعَامِ - نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً - نَكِرَ الشَّيْءَ (كَعَلِمَ وَتَعِبَ) وَأَنْكَرَهُ ضِدُّ عَرَفَهُ، أَيْ نَكِرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَوَجَدَهُ عَلَى غَيْرِ مَا يَعْهَدُ مِنَ الضَّيْفِ، فَإِنَّ الضَّيْفَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ طَعَامِ الْمُضِيفِ إِلَّا لِرِيبَةٍ أَوْ قَصْدٍ سَيِّءٍ، وَأَحَسَّ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مِنْهُمْ وَفَزَعًا، أَوْ أَدْرَكَ ذَلِكَ وَأَضْمَرَهُ إِذْ شَعَرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بَشَرًا، أَوْ أَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا مِنْ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ وَالْوَجْسِ (كَالْوَعْدِ) الصَّوْتِ الْخَفِيِّ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَعْتَرِي النَّفْسَ مِنَ الشُّعُورِ وَالْخَوَاطِرِ عِنْدَ الْفَزَعِ - قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ - أَيْ: قَالُوا وَقَدْ عَلِمُوا مَا يُسَاوِرُ نَفْسَهُ مِنَ الْوَجْسِ: لَا تَخَفْ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُ بِكَ سُوءًا، وَإِنَّمَا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ لِإِهْلَاكِهِمْ، وَلُوطٌ ابْنُ أَخِيهِ وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكَانَ مَكَانُهُ مِنْ مُهَاجَرِهِ قَرِيبًا مِنْ مَكَانِهِ، وَفِي سُورَةِ الْحِجْرِ أَنَّهُ صَارَحَهُمْ بِخَوْفِهِ وَوَجَلِهِ مِنْهُمْ، فَطَمْأَنُوهُ بِأَنَّهُمْ مُبَشِّرُونَ لَهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ١٥: ٥٣ وَكَذَا فِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ - قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ٥١: ٢٨ وَفِيهَا أَنَّهُ بَعْدَ الْبِشَارَةِ لَهُ سَأَلَهُمْ عَنْ خَطْبِهِمْ وَمَا جَاءُوا لِأَجْلِهِ فَأَخْبَرُوهُ فَجَادَلَهُمْ فِيهِ كَمَا يُذْكَرُ هُنَا مُجْمَلًا.

- وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ - وَكَانَتِ امْرَأَةُ إِبْرَاهِيمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ قَائِمَةً أَيْ: وَاقِفَةً -

<<  <  ج: ص:  >  >>