للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي إِنْجَاءِ لُوطٍ بِأَهْلِهِ إِلَّا امْرَأَتَهُ وَإِهْلَاكِ قَوْمِهِ.

- قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ - مِنْ مَلَائِكَتِهِ، أَرْسَلَنَا لِتَنْجِيَتِكَ مِنْ شَرِّهِمْ وَإِهْلَاكِهِمْ - لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ - بِسُوءٍ فِي نَفْسِكَ وَلَا فِينَا، وَحِينَئِذٍ طَمَسَ اللهُ أَعْيُنَهُمْ فَلَمْ يَعُودُوا يُبْصِرُونَ لُوطًا وَلَا مَنْ مَعَهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الْقَمَرِ: - وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ - ٥٤: ٣٧ فَانْقَلَبُوا عُمْيَانًا يَتَخَبَّطُونَ: - فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ - أَيْ: فَاخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَوِ الْقُرَى مَصْحُوبًا بِأَهْلِكَ بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ تَكْفِي لِتَجَاوُزِ حُدُودِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. وَالسُّرِيُّ (بِالضَّمِّ) وَالْإِسْرَاءِ فِي اللَّيْلِ كَالسَّيْرِ فِي النَّهَارِ، قُرِئَ (أَسْرِ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَوَصْلِهَا مِنْهُمَا حَيْثُ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ. وَفِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ: - فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - ٥١: ٣٥ و٣٦، - وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ - إِلَى مَا وَرَاءَهُ لِئَلَّا يَرَى الْعَذَابَ فَيُصِيبَهُ، وَفِي سُورَةِ الْحِجْرِ - وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ - ١٥: ٦٥ وَقَدْ بَيَّنَهُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ: - إِلَّا امْرَأَتَكَ - وَكَانَتْ كَافِرَةً خَائِنَةً ضِلْعُهَا مَعَ الْقَوْمِ - إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ - أَيْ مَقْضِيٌّ هَذَا عَلَيْهَا فَهُوَ وَاقِعٌ لَابُدَّ مِنْهُ، قُرِئَ " امْرَأَتَكَ " بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ، - إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ - أَيْ: مَوْعِدَ عَذَابِهِمْ يَبْتَدِئُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَنْتَهِي بِشُرُوقِهَا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ١٥: ٧٣ وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلْإِسْرَاءِ بِبَقِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا قُلْنَا: -

أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ - أَيْ: مَوْعِدٍ قَرِيبٍ لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا لَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ تَنْجُو فِيهَا بِأَهْلِكَ. وَهَذَا تَقْرِيرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَجَوَابٌ عَنِ اسْتِعْجَالِ لُوطٍ لِهَلَاكِهِمْ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مُجْتَمِعِينَ فِيهِ فِي مَسَاكِنِهِمْ فَلَا يَلْفِتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ.

- فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا - أَيْ: عَذَابُنَا أَوْ مَوْعِدُهُ - جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا - أَيْ: قَلَبْنَا أَرْضَ هَا أَوْ قُرَاهَا كُلَّهَا وَخَسَفْنَا بِهَا الْأَرْضَ، وَسُنَّةُ اللهِ - تَعَالَى - فِي خَسْفِ الْأَرْضِ فِي قُطْرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ أَنْ يُحْدَثَ تَحْتَهَا فَرَاغٌ بِقَدْرِهَا، بِسَبَبِ تَحَوُّلِ الْأَبْخِرَةِ الَّتِي فِي جَوْفِهَا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فَيَنْقَلِبَ مَا فَوْقَهُ إِمَّا مُسْتَوِيًا وَإِمَّا مَائِلًا إِلَى جَانِبٍ مِنَ الْجَوَانِبِ إِنْ كَانَ الْفَرَاغُ تَحْتَهُ أَوْسَعَ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَكُونُ عَالِيهَا سَافِلَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى جَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا؛ أَنَّ مَا كَانَ سَطْحًا لَهَا هَبَطَ وَغَارَ فَكَانَ سَافِلَهَا وَحَلَّ مَحَلَّهُ غَيْرُهُ مِنَ الْيَابِسَةِ الْمُجَاوِرَةِ أَوْ مِنَ الْمَاءِ، وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأَرْضِ أَنَّ قُرَى لُوطٍ الَّتِي خُسِفَ بِهَا تَحْتَ الْمَاءِ الْمَعْرُوفِ بِبَحْرِ لُوطٍ أَوْ بُحَيْرَةِ لُوطٍ، وَقِيلَ مِنْ عَهْدٍ قَرِيبٍ أَنَّ الْبَاحِثِينَ عَثَرُوا عَلَى بَعْضِ آثَارِهَا كَمَا تَقَدَّمَ - وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا - أَيْ: قَبْلَ الْقَلْبِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَحِكْمَتُهُ أَنْ يُصِيبَ الشُّذَّاذَ الْمُتَفَرِّقِينَ مِنْ أَهْلِهَا حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلٍ، وَفِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ - لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ - ٥١: ٣٣ فَالْمُرَادُ إِذًا حِجَارَةٌ مِنْ مُسْتَنْقَعٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَوَّلُهَا حَجَرٌ وَآخِرُهَا طِينٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَصْلُ الْحِجَارَةِ طِينٌ مُتَحَجِّرٌ، وَالْمَعْقُولُ مَا قُلْنَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الرَّاغِبِ: السِّجِّيلُ: حَجَرٌ وَطِينٌ مُخْتَلِطٌ أَصْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>