للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَبِعِبَادَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالصَّلَاةُ تَنْهَى صَاحِبَهَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ بِمَا تُكْسِبُهُ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ - تَعَالَى -، وَمَنْ نَهَى نَفْسَهُ كَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يَنْهَى غَيْرَهُ، يَعْنُونَ: أَهَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا تَقْتَضِي بِتَأْثِيرِهَا فِي نَفْسِكَ أَنْ تَحْمِلَنَا عَلَى تَرْكِ مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا مِنْ عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ بِهَا، وَتَشَفُّعًا عِنْدَهُ بِجَاهِ الْأَرْوَاحِ الَّتِي تَحْتَلُّهَا، أَوِ الْأَوْلِيَاءِ الَّتِي وُضِعَتْ لِذِكْرَاهُمْ، وَمَا أَنْتَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَجْدَرُ بِاتِّبَاعِهِمْ - أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ - مِنْ تَنْمِيَةٍ وَاسْتِغْلَالٍ

، وَتَصَرُّفٍ فِي الْكَسْبِ مِنَ النَّاسِ بِمَا نَسْتَطِيعُ مِنْ حَذْقٍ وَاحْتِيَالٍ، وَخَدِيعَةٍ وَاهْتِبَالٍ، وَهُوَ حَجْرٌ عَلَى حُرِّيَّتِنَا، وَتَحَكُّمٌ فِي ذَكَائِنَا؟ رَدُّوا بِهَذَا وَبِمَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ دَعْوَتَهُ مِنْ جَانِبِهَا الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ نَشْرًا مُرَتَّبًا عَلَى لَفٍّ، وَنَقْضًا لِمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ حُجَّةٍ وَعَطْفٍ، وَلِذَلِكَ ذَيَّلُوهُ بِمَا يُشِيرُ إِلَى هَذَا النَّقْضِ، فَقَالُوا بِقَصْدِ التَّعْرِيضِ وَالتَّنْدِيدِ: - إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ - الْحَلِيمُ: الْعَاقِلُ الْكَامِلُ فِي أَنَّاتِهِ وَتَرَوِّيهِ فَلَا يَتَعَجَّلُ بِأَمْرٍ قَبْلَ الثِّقَةِ مِنْ صِحَّتِهِ، وَالرَّشِيدُ: الرَّاسِخُ فِي هِدَايَتِهِ وَهَدْيِهِ، فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا اسْتَبَانَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالرُّشْدِ، وَوَصَفَهُ بِهِمَا وَصْفًا مُؤَكَّدًا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَ " إِنَّ " وَ " اللَّامِ " فِي تَعْلِيلِ إِنْكَارِهِمْ لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، كِلَاهُمَا صَرِيحٌ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ، وَالتَّعْرِيضِ بِمَا يَعْتَقِدُونَ مِنَ اتِّصَافِهِ بِضِدِّهِمَا، وَهُوَ الْجَهَالَةُ وَالسَّفَهُ فِي الرَّأْيِ، وَالْغَوَايَةُ فِي الْفِعْلِ بِهَوَسِ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: يَقُولُونَ: إِنَّكَ لَسْتَ بِحَلِيمٍ وَلَا رَشِيدٍ. - قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي - أَيْ: يَا قَوْمِيَ الَّذِينَ أَنَا مِنْهُمْ وَهُمْ مِنِّي، وَأُحِبُّ لَهُمْ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، أَخْبِرُونِي عَنْ شَأْنِي وَشَأْنِكُمْ، إِنْ كُنْتُ عَلَى حُجَّةٍ وَاضِحَةٍ مِنْ رَبِّي فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَكَانَ وَحْيًا مِنْهُ لَا رَأْيًا مِنِّي - وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا - فِي كَثْرَتِهِ وَفِي صِفَتِهِ، وَهُوَ كَسْبُهُ بِالْحَلَالِ بِدُونِ تَطْفِيفِ مِكْيَالٍ وَلَا مِيزَانٍ، وَلَا بَخْسٍ لِحَقِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَأَنَا مُجَرِّبٌ فِي الْكَسْبِ الطَّيِّبِ وَمَا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ، لَا فَقِيرٌ مُعْدِمٌ أَخْتَرِعُ الْآرَاءَ النَّظَرِيَّةَ فِيمَا لَيْسَ لِي خِبْرَةٌ بِهِ، أَيْ: أَرَأَيْتُمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، مَاذَا أَفْعَلُ وَمَاذَا أَقُولُ لَكُمْ غَيْرَ الَّذِي قُلْتُهُ عَنْ نُبُوَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ، وَتَجَارِبِ غِنًى مَالِيَّةٍ؟ هَلْ يَسَعُنِي الْكِتْمَانُ أَوِ التَّقْصِيرُ فِي الْبَيَانِ؟ - وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ - أَيْ وَإِنَّنِي عَلَى بَيِّنَتِي وَنِعْمَتِي، مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ فِي ذَلِكَ مَائِلًا إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ مُؤْثِرًا لِنَفْسِي عَلَيْكُمْ، بَلْ أَنَا مُسْتَمْسِكٌ بِهِ قَبْلَكُمْ. وَأَصْلُ الْمُخَالَفَةِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ فِي قَوْلِهِ، أَوْ فِعْلِهِ أَوْ حَالِهِ، وَأَنْ يُقَالَ: خَالَفَهُ فِي الشَّيْءِ، فَإِذَا خَالَفَهُ فِيمَا هُوَ مُوَلٍّ عَنْهُ تَارِكٌ لَهُ قِيلَ: خَالَفَهُ إِلَيْهِ، وَإِذَا خَالَفَهُ فِيمَا هُوَ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ، قِيلَ: خَالَفَهُ عَنْهُ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَضْمِينُ الْفِعْلِ مَعْنَى الْمَيْلِ إِلَيْهِ أَوْ عَنْهُ، أَوِ الرَّغْبَةُ فِيهِ أَوْ عَنْهُ. وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ

يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - ٢٤: ٦٣ أَيْ: يُخَالِفُونَ الرَّسُولَ رَاغِبِينَ عَنْ أَمْرِهِ مَائِلِينَ عَنْهُ - إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ - أَيْ: مَا أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ الْعَامَّ فِيمَا آمُرُ بِهِ وَفِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>