للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْهَى عَنْهُ مَادُمْتُ أَسْتَطِيعُهُ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَيْسَ لِي هَوًى وَلَا مَنْفَعَةٌ شَخْصِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِي فِيهِمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا فَعَلْتُهُ. قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: وَلِهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا النَّسَقِ شَأْنٌ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَ يَجِبُ أَنْ يُرَاعِيَ فِي كُلِّ مَا يَأْتِيهِ وَيَذَرُهُ أَحَدَ حُقُوقٍ ثَلَاثَةٍ - أَهَمُّهَا وَأَعْلَاهَا حَقُّ اللهِ - تَعَالَى -، وَثَانِيهَا حَقُّ النَّفْسِ، وَثَالِثُهَا حَقُّ النَّاسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ آمُرَكُمْ بِمَا أَمَرْتُكُمْ وَأَنْهَاكُمْ عَمَّا نَهَيْتُكُمْ. وَ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الظَّرْفِ، وَقِيلَ: خَبَرِيَّةٌ بَدَلٌ مِنَ الْإِصْلَاحِ، أَيِ الْمِقْدَارُ الَّذِي اسْتَطَعْتُهُ أَوْ إِصْلَاحُ مَا اسْتَطَعْتُهُ فَحُذِفَ الْمُضَافُ. انْتَهَى. وَفِي هَذَا إِثْبَاتٌ لِعَقْلِهِ وَرَوِيَّتِهِ وَلِرُشْدِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَهُوَ إِبْطَالٌ لِتَهَكُّمِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِلَقَبِ الْحَلِيمِ الرَّشِيدِ، وَالنَّبِيُّ فَوْقَ ذَلِكَ - وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ - التَّوْفِيقُ ضِدُّ الْخِذْلَانِ، وَهُوَ الْفَوْزُ وَالْفَلَاحُ فِي إِصَابَةِ الْإِصْلَاحِ وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ وَسَعْيٍ حَسَنٍ، فَإِنَّ حُصُولَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَسْبُ الْعَامِلِ وَطَلَبُهُ الشَّيْءَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَثَانِيهُمَا مُوَافَقَةُ الْأَسْبَابِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا النَّجَاحُ فِي كَسْبِهِ وَسَعْيِهِ، وَتَسْخِيرُهَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ اللهِ وَحْدَهُ. وَالْمَعْنَى: وَمَا تَوْفِيقِي لِإِصَابَةِ ذَلِكَ فِيمَا أَسْتَطِيعُهُ مِنْهُ إِلَّا بِحَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ، وَفَضْلِهِ وَمَعُونَتِهِ، وَأَعْلَاهَا مَا خَصَّنِي بِهِ دُونَكُمْ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ - عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ - فِي أَدَاءِ مَا كَلَّفَنِي مِنْ تَبْلِيغِكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ، لَا عَلَى حَوْلِي وَقُوَّتِي - وَإِلَيْهِ أُنِيبُ - أَيْ وَإِلَيْهِ وَحْدَهُ أَرْجِعُ فِي كُلِّ مَا نَابَنِي مِنَ الْأُمُورِ فِي الدُّنْيَا، وَإِلَى الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِي فِي الْآخِرَةِ، فَأَنَا لَا أَرْجُو مِنْكُمْ أَجْرًا، وَلَا أَخَافُ مِنْكُمْ ضَرًّا.

- وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ - وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَجْرِمَنَّكُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ جُرْمِ الذَّنَبِ وَالْمَالِ بِمَعْنَى كَسْبِهِ، وَابْنُ كَثِيرٍ بِضَمِّهَا مِنْ أَجْرَمَتْهُ الذَّنْبُ إِذَا جَعَلَتْهُ جَارِمًا لَهُ. فَجَرَمَهُ وَأَجْرَمَهُ

كَكَسِبَهُ هُوَ وَكَسَّبَهُ إِيَّاهُ غَيْرُهُ، يَتَعَدَّى الثُّلَاثِيُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَإِلَى مَفْعُولَيْنِ كَالرُّبَاعِيِّ.

وَالشِّقَاقُ: شِدَّةُ الْخِلَافِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي شِقٍّ وَجَانِبٍ غَيْرِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ، أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمْ وَتَكْسِبَنَّكُمْ مُشَاقَّتُكُمْ وَعَدَاوَتُكُمْ لِي أَنْ تُفْضِيَ بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا إِلَى إِصَابَتِكُمْ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ قَبْلَكُمْ: قَوْمَ نُوحٍ أَوْ هُودٍ أَوْ صَالِحٍ مِنْ عَذَابِ الْخِزْيِ وَالِاسْتِئْصَالِ - وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ - زَمَانًا وَلَا مَكَانًا وَلَا إِجْرَامًا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي: بَعِيدٍ، وَقَرِيبٍ، وَقَلِيلٍ، وَكَثِيرٍ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِوُرُودِهَا عَلَى وَزْنِ الْمَصَادِرِ كَالصَّهِيلِ وَالشَّهِيقِ وَنَحْوِهِمَا. وَقُدِّرَ لِبَعِيدٍ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْصُوفًا: بِشَيْءٍ بَعِيدٍ، وَقَدَّرَ غَيْرُهُ: وَمَا إِهْلَاكُ قَوْمِ لُوطٍ. إِلَخْ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ.

- وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ - أَيِ اطْلُبُوا مِنْهُ الْمَغْفِرَةَ لِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي

<<  <  ج: ص:  >  >>