للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ فَصَّلْنَا فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَةِ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ فِي الْخِلَافِ فِي أَبَدِيَّةِ النَّارِ وَعَذَابِهَا، وَوَعَدْنَا بِالْعَوْدَةِ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَسَنَجْعَلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ لِلسُّورَةِ لِتَبْقَى سِلْسِلَةُ التَّفْسِيرِ هُنَا مُتَّصِلَةً.

- وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ - أَيْ دَائِمًا غَيْرَ مَقْطُوعٍ، مِنْ جَذَّهُ يَجُذُّهُ (مِنْ بَابِ نَصَرَ) إِذَا قَطَعَهُ أَوْ كَسَرَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: - لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ - وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا التَّذْيِيلِ وَمَا قَبْلَهُ عَظِيمٌ، فَكُلٌّ مِنَ الْجَزَاءَيْنِ مِنْهُ - تَعَالَى - وَمُقَيَّدٌ دَوَامُهُ بِمَشِيئَتِهِ، وَلَكِنَّهُ ذَيَّلَ هَذَا بِأَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهُ وَإِحْسَانٌ دَائِمٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مِثْلَهُ غَيْرَ مَقْطُوعٍ لَمَا كَانَ فَضْلًا وَإِحْسَانًا، وَقَدْ تَكَرَّرَ وَعْدُ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُحْسِنِينَ بِأَنَّهُ يَجْزِيهِمْ بِالْحُسْنَى وَبِأَحْسَنِ مِمَّا عَمِلُوا، وَبِأَنَّهُ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَبِأَنَّهُ يُضَاعِفُ لَهُمُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَبِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. وَلَمْ يَعُدْ بِزِيَادَةِ جَزَاءِ الْكَافِرِينَ وَالْمُجْرِمِينَ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ، بَلْ كَرَّرَ الْوَعْدَ بِأَنَّهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا، وَبِأَنَّ السَّيِّئَةَ بِمِثْلِهَا وَهُمْ

لَا يُظْلَمُونَ، وَبِأَنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، دَعْ مَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ سَبْقِهَا لِغَضَبِهِ. وَمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، خُلَاصَتُهُ: أَنَّ عَذَابَ النَّارِ الشَّدِيدَ الْأَبَدِيَّ الَّذِي لَا نِهَايَةَ لَهُ إِنَّمَا كَانَ جَزَاءً لِأَهْلِهَا بِمِثْلِ مَا عَمِلُوا فِي سِنِينَ أَوْ أَشْهُرٍ مَعْدُودَةٍ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَفِسْقِهِمْ لَوْ كَانُوا خَالِدِينَ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ إِذَنْ جَزَاءٌ لَهُمْ عَلَى نِيَّتِهِمْ وَعَزْمِهِمْ. انْتَهَى.

وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرَ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدِينَ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَصِحُّ فِيهِمُ الْعَزْمُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَهُمُ الْأَقَلُّونَ، لِمَا عُلِمَ بِالِاخْتِبَارِ وَالْوَاقِعِ مِنْ إِيمَانِ أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ أَكْثَرِ الْعَرَبِ لَمَّا زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَظَهَرَ لَهُمْ مِنْهُ مَا كَانَ خَفِيًّا عَلَيْهِمْ، عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ أَنَّ اللهَ لَا يُؤَاخِذُ مَنْ نَوَى أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَلَمْ يَعْمَلْهَا، وَالْمَعْقُولُ فِي تَعْلِيلِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ هُوَ مَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ عَذَابَ النَّارِ الدَّائِمَ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِتَدْسِيَةِ النَّفْسِ بِالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ. . . . . وَسَنَعُودُ إِلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ لِلسُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

- فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ - هَذِهِ فَذْلَكَةُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِرْشَادِ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِمَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الْمُهْلَكَةِ، وَإِنْذَارُ أَعْدَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، يَقُولُ: إِذَا كَانَ أَمْرُ الْأُمَمِ الْمُشْرِكَةِ الظَّالِمَةِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَصَصْنَاهُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، فَلَا تَكُنْ فِي أَدْنَى شَكٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>