للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا - أَيْ: وَلَا تَسْتَنِدُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ قَوْمِكُمُ الْمُشْرِكِينَ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَتَجْعَلُوهُمْ رُكْنًا لَكُمْ تَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمْ فَتُقِرُّونَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، وَتُوَالُونَهُمْ فِي سِيَاسَتِكُمُ الْحَرْبِيَّةِ أَوْ أَعْمَالِكُمُ الْمِلِّيَّةِ، فَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، فَالرُّكُونُ مِنْ رُكْنِ الْبِنَاءِ وَهُوَ الْجَانِبُ الْقَوِيُّ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: - لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ - ١١: ٨٠ وَالسَّنَدُ بِمَعْنَى الرُّكْنِ، وَقَدِ اشْتُقَّ مِنْهُ: سَنَدَ إِلَى الشَّيْءِ (كَرَكَنَ إِلَيْهِ) وَاسْتَنَدَ إِلَيْهِ، وَفَسَّرَهُ الْفَيْرُوزَابَادِيُّ فِي قَامُوسِهِ بِالتَّبَعِ لِلْجَوْهَرِيِّ بِالْمَيْلِ إِلَى الشَّيْءِ وَالسُّكُونِ لَهُ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ بِالْأَعَمِّ كَعَادَتِهِمْ، وَفَسَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِالْمَيْلِ الْيَسِيرِ، وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ يَعْتَدُّونَ عَلَيْهِ فِي تَحْرِيرِهِ لِلْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ لِدِقَّةِ فَهْمِهِ وَذَوْقِهِ وَحُسْنِ تَعْبِيرِهِ، وَإِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَقَلَّمَا يُخْطِئُ فِي اللُّغَةِ إِلَّا مُتَحَرِّفًا إِلَى شُيُوخِ الْمَذْهَبِ (الْمُعْتَزِلَةِ) أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةِ رُوَاةِ الْمَأْثُورِ مِنَ

الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَوْ نَقَلَةِ اللُّغَةِ، وَشُيُوخُ الْمَذْهَبِ يُخْطِئُونَ فِي الِاجْتِهَادِ، وَفِئَةُ الرِّوَايَاتِ تُخْطِئُ فِي اعْتِمَادِ الْأَسَانِيدِ الضَّعِيفَةِ وَالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَرُوَاةُ اللُّغَةِ يُفَسِّرُونَ اللَّفْظَ أَحْيَانًا بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ أَوْ بِلَازِمِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْمَجَازِ فِي بَعْضِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يَعْنُونَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَدُّ اللَّفْظِ الْمُعَرَّفِ بِحَقِيقَتِهِ، وَقَدْ فَسَّرَ " الرُّكُونَ " بَعْضُهُمْ بِالْمَيْلِ وَالسُّكُونِ إِلَى الشَّيْءِ وَهُوَ مِنْ تَسَاهُلِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ قَدْ ذَكَرُوا فِي مَادَّتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّسَاهُلِ وَيُؤَيِّدُ مَا حَقَّقْنَاهُ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُحِيطِ تَبَعًا لِلصِّحَاحِ: رَكَنَ إِلَيْهِ كَنَصَرَ رُكُونًا: مَالَ وَسَكَنَ، وَالرُّكْنَ بِالضَّمِّ الْجَانِبُ الْأَقْوَى (زَادَ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) وَالْأَمْرُ الْعَظِيمُ وَالْعِزُّ وَالْمَنَعَةُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَذَكَرَ الْآيَةَ، وَأَنَّ الرُّكُونَ فِيهَا مِنْ مَالَ إِلَى الشَّيْءِ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ، وَالِاطْمِئْنَانُ أَقْوَى مِنَ السُّكُونِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الِاطْمِئْنَانِ، وَالْمَعَانِي الْأَرْبَعَةُ: أَيِ الْمَيْلُ وَالسُّكُونُ وَالِاطْمِئْنَانُ وَالِاعْتِمَادُ مِنْ لَوَازِمِ مَعْنَى الرُّكُونِ وَلَا تُحِيطُ بِحَقِيقَتِهِ، وَأَقْوَاهَا آخِرُهَا. قَالَ فِي اللِّسَانِ كَغَيْرِهِ: وَرُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الْأَقْوَى، وَالرُّكْنُ النَّاحِيَةُ الْقَوِيَّةُ وَمَا تَقْوَى بِهِ مِنْ مُلْكٍ وَجُنْدٍ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ - ٥١: ٣٩ وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: تَعَالَى: - فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ - ٢٨: ٤٠ أَيْ أَخَذْنَاهُ وَرُكْنَهُ الَّذِي تَوَلَّى بِهِ إِلَى آخِرِ مَا قَالَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فِي مَعْنَى الرُّكُونِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِنَّمَا عَنَيْتُ بِتَحْقِيقِهِ لِمَا جَاءُوا فِي تَفْسِيرِهِ وَتَفْسِيرِ الظُّلْمِ الْمُطْلَقِ الْمُعَاقَبِ عَلَيْهِ مِنَ التَّشْدِيدِ الَّذِي لَا تَرْضَاهُ الْآيَةُ، كَمَا فَعَلُوا فِي تَفْسِيرِ الِاسْتِقَامَةِ إِذَا تَجَاوَزُوا بِهِمَا سَمَاحَةَ دِينِ الْفِطْرَةِ، وَيُسْرَ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، فَإِنَّ اللهَ - تَعَالَى - جَعَلَ دِينَهُ يُسْرًا لَا عُسْرَ فِيهِ، وَسَمْحًا لَا حَرَجَ عَلَى مُتَّبِعِيهِ.

فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ " الَّذِينَ ظَلَمُوا " بِقَوْلِهِ: أَيْ: إِلَى الَّذِينَ وُجِدَ مِنْهُمُ الظُّلْمُ، وَلَمْ يَقُلْ إِلَى الظَّالِمِينَ، وَحَكَى أَنَّ الْمُوَفَّقَ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَرَأَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَغُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قِيلَ لَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>