للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ خَاتِمَةُ هَذِهِ السُّورَةِ، وَهِيَ فِي بَيَانِ مَا أَفَادَتْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْبَاءِ أَشْهَرِ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ مَعَ أَقْوَامِهِمْ فِي نَفْسِهِ، وَمَا تُفِيدُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَمَا يَجِبُ أَنْ يُبَلِّغَهُ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنَ الْإِنْذَارِ وَالتَّهْدِيدِ لَهُمْ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا يَنْتَظِرُهُ كُلُّ فَرِيقٍ، وَأَنَّ عَاقِبَتَهُ لَهُ لَا لَهُمْ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِعِبَادَتِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ عَدَاوَتِهِ وَالْكَيْدِ لَهُ، قَالَ - تَعَالَى -:

- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ - أَيْ: وَكُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ نَقُصُّ عَلَيْكَ وَنُحَدِّثُكَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ الَّذِي يُعْلَمُ مِنْ تَتَبُّعِهِ وَاسْتِقْصَائِهِ بِهِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْقَصِّ فِي الْأَصْلِ تَتَبُّعُ أَثَرِ الشَّيْءِ لِلْإِحَاطَةِ بِهِ، وَمِنْهُ: - وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ - ٢٨: ١١ ثُمَّ قِيلَ: قَصَّ خَبَرَهُ إِذَا حَدَّثَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ الَّذِي اسْتَقْصَاهُ، وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ الْمُهِمُّ، فَهَذِهِ الْكُلِّيَّةُ تَشْمَلُ أَنْوَاعَ الْأَنْبَاءِ الْمُفِيدَةِ مِنْ قِصَصِ الرُّسُلِ الصَّحِيحَةِ فِي صُوَرِهَا الْكَلَامِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا الْبَيَانِيَّةِ، وَأَنْوَاعِ فَوَائِدِهَا الْعِلْمِيَّةِ، وَعِبَرِهَا وَمَوَاعِظِهَا النَّفْسِيَّةِ، دُونَ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الْمُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهَا، كَالَّتِي تَرَاهَا فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ الَّذِي يَعُدُّونَهُ مِنَ التَّوْرَاةِ وَأَمْثَالِهِ - مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ - أَيْ: نَقُصُّ مِنْهَا عَلَيْكَ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ، أَيْ نُقَوِّيهِ وَنَجْعَلُهُ رَاسِخًا فِي ثَبَاتِهِ كَالْجَبَلِ فِي الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ،

وَنَشْرِ الدَّعْوَةِ بِمَا فِي هَذِهِ الْقِصَصِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ بِسُنَنِ اللهِ فِي الْأَقْوَامِ، وَمَا قَاسَاهُ رُسُلُهُمْ مِنَ الْإِيذَاءِ فَصَبَرُوا صَبْرَ الْكِرَامِ - وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ - أَيْ: فِي هَذِهِ السُّورَةِ - وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ التَّابِعِينَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ - وَقِيلَ: فِي هَذِهِ الْأَنْبَاءِ الْمُقْتَصَّةِ عَلَيْكَ، بَيَانُ الْحَقِّ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ جَمِيعُ أُولَئِكَ الرُّسُلِ مِنْ أَصْلِ دِينِ اللهِ وَأَرْكَانِهِ، وَهُوَ تَوْحِيدُهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَاتِّقَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَتَرْكِ مَا يُسْخِطُهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَالظُّلْمِ وَالْإِجْرَامِ، الْإِيمَانُ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ - وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ - الَّذِينَ يَتَّعِظُونَ بِمَا حَلَّ بِالْأُمَمِ مِنْ عِقَابِ اللهِ، وَيَتَذَكَّرُونَ مَا فِيهَا مِنْ عَاقِبَةِ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، وَنَصْرُهُ - تَعَالَى - لِمَنْ نَصَرَهُ، وَنَصَرَ رُسُلَهُ، فَالْمُؤْمِنُونَ هُنَا يَشْمَلُ مَنْ كَانُوا آمَنُوا بِالْفِعْلِ، وَالْمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِيمَانِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ وَالذِّكْرَى آمَنُوا بَعْدُ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ إِعْجَازِ الْإِيجَازِ، مَا يُنَاسِبُ إِعْجَازَ تِلْكَ الْقِصَصِ الَّتِي جُمِعَتْ فَوَائِدُهَا بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ.

- وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ - أَيْ فَبَشِّرْ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّعِظُونَ وَيَتَذَكَّرُونَ، وَقُلْ لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فَلَا يَتَّعِظُونَ: اعْمَلُوا عَلَى مَا فِي مَكَانَتِكُمْ وَتَمَكُّنِكُمْ وَاسْتِطَاعَتِكُمْ مِنْ مُقَاوَمَةِ الدَّعْوَةِ وَإِيذَاءِ الدَّاعِي وَالْمُسْتَجِيبِينَ لَهُ، وَهَذَا الْأَمْرُ لِلتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، أَيْ: فَسَوْفَ تَلْقَوْنَ جَزَاءَ مَا تَعْمَلُونَ مِنَ الْعِقَابِ وَالْخِذْلَانِ - إِنَّا عَامِلُونَ - عَلَى مَكَانَتِنَا مِنَ الثَّبَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>