للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ.

هَذَا شُرُوعٌ فِي الْقِصَّةِ بَعْدَ مُقَدِّمَتَيْنِ، أُولَاهُمَا فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ وَكَوْنِهِ تَنْزِيلًا مِنَ اللهِ دَالًّا عَلَى رِسَالَةِ مَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ، وَكَوْنِهِ عَرَبِيًّا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ يَعْقِلُونَهُ، وَكَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ قَبْلِهِ غَافِلًا عَمَّا جَاءَهُ فِيهِ لَا يَدْرِي مِنْهُ شَيْئًا، وَنَتِيجَةُ هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ تَأْتِي بَعْدَ تَمَامِ الْقِصَّةِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ ١٠٢ إِلَخْ.

وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: رُؤْيَا يُوسُفَ وَمَا فَهِمَهُ مِنْهَا أَبُوهُ فَهْمًا إِجْمَالِيًّا كُلِّيًّا كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا، وَبَنَى عَلَيْهِ أَنْ حَذَّرَهُ وَأَنْذَرَهُ مَا يُسْتَهْدَفُ لَهُ قِبَلَهُ مِنْ كَيْدِ إِخْوَتِهِ، وَبَشَّرَهُ بِحُسْنِ عَاقِبَتِهِ، وَنَتِيجَةِ هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ مَا قَالَهُ لِأَبِيهِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ وَسُجُودِهِمْ لَهُ: (يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) ١٠٠ إِلَخْ.

فَمِثْلُ هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَنْطِقِيِّ الْعَقْلِيِّ الْبَدِيعِ يَتَوَقَّفُ نَظْمُهُ وَسَرْدُهُ عَلَى سَبْقِ الْعِلْمِ بِالْقِصَّةِ وَتَتَبُّعِ حَوَادِثِهَا وَالْإِحَاطَةِ بِدَقَائِقِهَا، ثُمَّ عَلَى وَضْعِ تَرْتِيبٍ يُنَسَّقُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ كَالْقِصَصِ الْفَنِّيَّةِ الْمُتَكَلَّفَةِ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْمُقَدِّمَةُ وَالْخَاتِمَةُ فِي الْغَايَةِ الَّتِي أُلِّفَتِ الْقِصَّةُ لِأَجْلِهَا، فَتَجْعَلُ الْأُولَى بَرَاعَةَ مَطْلَعٍ، وَالْآخِرَةَ بَرَاعَةَ مَقْطَعٍ، فَقُلْ لِمَنْ جَهِلَ سِيرَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَارِيخَهُ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ قَارِئًا وَلَا كَاتِبًا، وَلَا خَطِيبًا وَلَا شَاعِرًا، وَلَا مُؤَرِّخًا، وَلَا رَاوِيًا، وَلَا حَافِظًا لِلشِّعْرِ وَلَا نَاثِرًا، بَلْ كَانَ كَمَا قَالَ اللهُ - تَعَالَى - غَافِلًا عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَكُلِّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّورَةُ الْقَصِيرَةُ فَيُعَجِّلُ بِقِرَاءَتِهَا لِئَلَّا يَنْسَى مِنْهَا شَيْئًا، فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَمَا عَرَضَ لَهُ فِي أَثْنَاءِ نُزُولِ سُورَةِ الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ٧٥: ١٦ - ١٩ وَبِقَوْلِهِ: وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ٢٠: ١١٤ وَقَوْلِهِ: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى) ٨٧: ٦ وَقَوْلِهِ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ١٥: ٩

<<  <  ج: ص:  >  >>