للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَلِكِ، ثُمَّ مِنْ عِلْمِهِ بِأَنَّ إِلْقَاءَ قَمِيصِهِ عَلَى

أَبِيهِ يُعِيدُهُ بَصِيرًا بَعْدَ عَمَى سِنِينٍ كَثِيرَةٍ، فِي الْقِصَّةِ مَجَالٌ لِسُؤَالِ السَّائِلِينَ عَنْ كُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنَ الْعِلْمِ الرُّوحَانِيِّ، وَهِيَ أَخْفَى مِمَّا قَبْلَهَا، وَأَحَقُّ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا.

وَقِيلَ عَنِ الْمُرَادِ بِالسَّائِلِينَ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ جَاءُوا مَكَّةَ وَسَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُؤَالَ امْتِحَانٍ عَنْ نَبِيٍّ كَانَ بِالشَّامِ أُخْرِجَ ابْنُهُ إِلَى مِصْرَ فَبَكَى عَلَيْهِ حَتَّى عَمِيَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ سُورَةَ يُوسُفَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَقَّنُوا بَعْضَ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ. وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ أَسْمَاءِ الْكَوَاكِبِ الْأَحَدَ عَشَرَ الَّتِي رَآهَا يُوسُفُ فِي مَنَامِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَلَقَّنَهُ إِيَّاهَا فَجَاءَتْ مُوَافِقَةً لِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَذَكَرُوا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ فِي تَفَاسِيرِهِمْ، فَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ عَلَى هَذَا دَلَائِلُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ شَيْءٌ بَلْ هِيَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَلَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ ذِكْرٌ لِأَسْمَاءِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ، وَقِصَّةُ يُوسُفَ فِي الْقُرْآنِ مُوَافِقَةٌ لِجُمْلَةِ مَا فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ وَمُخَالِفَةٌ لَهُ فِي بَعْضِ دَقَائِقِهَا، وَسَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا.

(إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) أَيْ إِنَّ فِي قِصَّتِهِمْ لَآيَاتٍ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ابْتَدَءُوا فِيهِ بِقَوْلِهِمْ جَازِمِينَ مُقْسِمِينَ: لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ الشَّقِيقُ لَهُ وَاسْمُهُ ((بِنْيَامِينَ)) ، (أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) كُلِّنَا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أَيْ يُفَضِّلُهُمَا عَلَيْنَا بِمَزِيدِ الْمَحَبَّةِ عَلَى صِغَرِهِمَا وَقِلَّةِ غِنَائِهِمَا، وَالْحَالُ أَنَّنَا نَحْنُ عُصْبَةُ عَشَرَةِ رِجَالٍ أَقْوِيَاءَ أَشِدَّاءَ مُعْتَصِبُونَ، نَقُومُ لَهُ بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ وَالْحِمَايَةِ وَالْكِفَايَةِ (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) إِنَّهُ لَفِي تِيهٍ مِنَ الْمُحَابَاةِ لَهُمَا ضَلَّ فِيهِ طَرِيقَ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ ضَلَالًا بَيِّنًا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، إِذْ يُفَضِّلُ غُلَامَيْنِ ضَعِيفَيْنِ مِنْ وَلَدِهِ لَا يَقُومَانِ لَهُ بِخِدْمَةٍ نَافِعَةٍ، عَلَى الْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ وَالْكَسْبِ وَالنَّجْدَةِ.

وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْهُمْ عَلَى أَبِيهِمْ جَهْلٌ مُبِينٌ وَخَطَأٌ كَبِيرٌ، لَعَلَّ سَبَبَهُ اتِّهَامُهُمْ إِيَّاهُ بِإِفْرَاطِهِ فِي حُبِّ أُمِّهِمَا مِنْ قَبْلُ، فَيَكُونُ مَثَارُهُ الْأَوَّلُ اخْتِلَافَ

الْأُمَّهَاتِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ وَلَا سِيَّمَا الْإِمَاءُ مِنْهُنَّ، وَهُوَ الَّذِي أَضَلَّهُمْ عَنْ غَرِيزَةِ الْوَالِدَيْنِ فِي زِيَادَةِ الْعَطْفِ عَلَى صِغَارِ الْأَوْلَادِ وَضِعَافِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>