للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(آيَاتُ تَحْقِيقِ زَوْجِهَا فِي الْقَضِيَّةِ) :

هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فِي تَحْقِيقِ الْقَضِيَّةِ وَعِلْمِ زَوْجِهَا بِهِ بَرَاءَةَ يُوسُفَ وَثُبُوتَ خَطِيئَتِهَا، وَبُدِئَ بِبَيَانِ جَوَابِهِ الصَّرِيحِ الْمُنْتَظَرِ بَعْدَ اتِّهَامِهَا إِيَّاهُ بِالتَّلْمِيحِ وَهُوَ:

(قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) فَامْتَنَعْتُ وَفَرَرْتُ كَمَا تَرَى. فَصَارَتِ النَّازِلَةُ أَوِ الْقَضِيَّةُ بِاخْتِلَافِ قَوْلَيْهِمَا مَوْضُوعُ بَحْثٍ وَتَحْقِيقٍ وَتَشَاوُرٍ بَيْنَ زَوْجِهَا وَأَهْلِهَا لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا التَّنْزِيلُ تَفْصِيلَهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقِصَّةِ فِيهِ بَيَانُ نَزَاهَةِ يُوسُفَ وَفَضَائِلِهِ لِلْعِبْرَةِ لَهَا. وَإِنَّمَا عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا وَقَعَ بِالْفِعْلِ، كَمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَقَّعًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَالْعَقْلِ، وَمِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ أَخْبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ عِلْمٍ كَالْمُشَاهَدَةِ، وَقِيلَ: حَكَمَ مُسْتَدِلًّا بِمَا ذُكِرَ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الشَّاهِدِ كَعَادَتِهِمْ فِي الْمُبْهَمَاتِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا التَّخَيُّلُ وَالِاخْتِرَاعُ، هَلْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ حَكِيمًا أَوْ مِنْ خَاصَّةِ الْمَلِكِ أَوْ حَيَوَانًا، حَتَّى رَوَوْا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِإِنْسٍ وَلَا جَانٍّ، هُوَ خَلْقُ اللهِ، مَعَ قَوْلِ اللهِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا فِي الْمَهْدِ، يُؤَيِّدُهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ: ابْنُ مَاشِطَةِ فِرْعَوْنَ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)) وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ يُوسُفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ تَكَلَّمُوا فِي الْمَهْدِ)) وَهَذَا مَوْقُوفٌ وَالْمَرْفُوعُ ضَعِيفٌ، وَقَدِ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِدُونِ تَأْيِيدٍ وَلَا رَدٍّ، وَأَمَّا هَذِهِ الشَّهَادَةُ - وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِالْحُكْمِ - فَهِيَ قَوْلُهُ:

(إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) أَيْ مِنْ قُدَّامٍ فَصَدَقَتْ فِي دَعْوَاهَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا سُوءًا، فَإِنَّهُ لَمَّا وَثَبَ عَلَيْهَا أَخَذَتْ بِتَلَابِيبِهِ فَجَاذَبَهَا فَانْقَدَّ قَمِيصُهُ وَهُمَا يَتَنَازَعَانِ وَيَتَصَارَعَانِ (وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) فِي دَعْوَاهُ أَنَّهَا رَاوَدَتْهُ فَامْتَنَعَ وَفَرَّ فَتَبِعَتْهُ وَجَذَبَتْهُ تُرِيدُ إِرْجَاعَهُ، (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) أَيْ مِنْ خَلْفٍ (فَكَذَبَتْ) فِي دَعْوَاهَا أَنَّهُ هَجَمَ عَلَيْهَا يُرِيدُ ضَرْبَهَا (وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فِي قَوْلِهِ إِنَّهُ فَرَّ مِنْهَا هَارِبًا. وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ ظَاهِرَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُخْتَارِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ، وَمُشْكِلَةٌ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُدَقِّقِينَ.

(فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ) أَيْ إِنَّ هَذَا الْعَمَلَ وَمُحَاوَلَةَ التَّنَصُّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>