للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْهُ بِالِاتِّهَامِ، مِنْ كَيْدِكُنَّ الْمَعْهُودِ مِنْكُنَّ مَعْشَرَ النِّسَاءِ. فَهُوَ لَمْ يَخُصَّ الْكَيْدَ بِزَوْجِهِ فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَمْرٌ شَاذٌّ مِنْهَا يَجِبُ التَّرَوِّي فِي تَحْقِيقِهِ بِأَكْثَرِ مِمَّا شَهِدَ بِهِ أَحَدُ أَهْلِهَا، وَهُوَ لَا يُتَّهَمُ فِي التَّحَامُلِ عَلَيْهَا وَظُلْمِهَا، بَلْ هُوَ سُنَّةٌ عَامَّةٌ فِيهِنَّ فِي التَّقَصِّي مِنْ خَطِيئَاتِهِنَّ، فَقَدْ أَثْبَتَ خَطِيئَتَهَا مُسْتَدِلًّا عَلَيْهَا بِالسُّنَّةِ الْعَامَّةِ لَهُنَّ فِي أَمْثَالِهَا (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) لَا قِبَلَ لِلرِّجَالِ بِهِ، وَلَا يَفْطِنُونَ لِحِيَلِكُنَّ فِي دَقَائِقِهِ.

قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: وَلِرَبَّاتِ الْقُصُورِ مِنْهُنَّ الْقَدَحُ الْمُعَلَّى مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ أَكْثَرُ تَفَرُّغًا لَهُ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مَعَ كَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْكَيَّادَاتِ إِلَيْهِنَّ. وَهَهُنَا يَذْكُرُونَ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) ٤: ٧٦ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى أَنَّ كَيْدَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، وَإِنْ فَرَضْنَا أَنَّ حِكَايَةَ قَوْلِ هَذَا إِقْرَارٌ لَهُ، فَالْمَقَامُ مُخْتَلِفٌ، وَإِنَّمَا كَيْدُ النِّسْوَانِ بَعْضُ كَيْدِ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهَا وَإِلَى يُوسُفَ قَائِلًا:

(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) الْكَيْدِ الَّذِي جَرَى لَكَ وَلَا تَتَحَدَّثْ بِهِ، وَلَا تَخَفْ مِنْ تَهْدِيدِهَا لَكَ (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ وَتُوبِي إِلَى اللهِ - تَعَالَى - (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) أَيْ مِنْ جِنْسِ الْمُجْرِمِينَ مُرْتَكِبِي الْخَطَايَا الْمُتَعَمِّدِينَ لَهَا.

وَلِهَذَا غَلَّبَ فِيهِ جَمْعَ الْمُذَكِّرِ فَلَمْ يَقُلْ مِنَ الْخَاطِئَاتِ ((وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْكَرْخِيُّ بِقَوْلِ هَذَا الْوَزِيرِ الْكَبِيرِ لِزَوْجِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَلِيلَ الْغِيرَةِ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ، وَزَعَمَ أَبُو حَيَّانَ فِي ((الْبَحْرِ الْمُحِيطِ)) أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى طَبِيعَةِ تُرْبَةِ مِصْرَ وَبِيئَتِهَا، وَأَنَّهَا لِرَخَاوَتِهَا لَا يَنْشَأُ فِيهَا الْأَسَدُ وَلَوْ دَخَلَ فِيهَا لَا يَبْقَى. وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى عِلْمٍ صَحِيحٍ، فَأَمَّا سَبَبُ عَدَمِ نُشُوءِ الْأَسَدِ فِي هَذَا الْقُطْرِ فَهُوَ خُلُوُّهُ مِنَ الْغَابَاتِ وَالْأَدْغَالِ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ إِذَا أُدْخِلَ لَا يَبْقَى، فَإِنْ صَحَّ بِالتَّجْرِبَةِ فِي الْمَاضِي فَسَبَبُهُ عَدَمُ وُجُودِ الْمَأْوَى لَهُ، وَهَا نَحْنُ أُولَاءِ نَرَى الْأُسُودَ وَالْفُهُودَ وَالنُّمُورَ تَعِيشُ وَتَتَنَاسَلُ فِي حَدِيقَةِ الْحَيَوَانِ بِالْجِيزَةَ، وَإِنَّمَا أَشَرْنَا إِلَى هَذَا لِلرَّدِّ عَلَى زَاعِمِيهِ، وَالْإِطَالَةُ فِيهِ لَيْسَتْ مِنْ مَوْضُوعِ التَّفْسِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>