للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ التَّوَاصُلِ بِالزِّيَارَاتِ، وَاخْتِلَافِ الْخَدَمِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا إِلَى الْآخَرِ، وَهُنَّ مَا قُلْنَهُ إِلَّا لِتَسْمَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا عَفْوًا، احْتَلْنَ فِي إِيصَالِهِ قَصْدًا، فَكَانَ مَا أَرَدْنَهُ: (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا)

أَيْ دَعَتْهُنَّ إِلَى الطَّعَامِ فِي دَارِهَا، وَمَكَرَتْ بِهِنَّ كَمَا مَكَرْنَ بِهَا، بِأَنْ أَعَدَّتْ وَهَيَّأَتْ لَهُنَّ مَا يَتَّكِئْنَ عَلَيْهِ إِذَا جَلَسْنَ مِنَ الْكَرَاسِيِّ وَالْأَرَائِكِ وَهُوَ الْمُعْتَادُ فِي دُورِ الْكُبَرَاءِ، قَالَ - تَعَالَى - فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ) ١٨: ٣١ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حُجْرَةِ مَائِدَةِ الطَّعَامِ، وَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا لِيَقْطَعْنَ بِهِ مَا يَأْكُلْنَ مِنْ لَحْمٍ أَوْ فَاكِهَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ مُفَسِّرِي السَّلَفِ تَفْسِيرُ الْمُتَّكَأِ بِالطَّعَامِ الَّذِي يُتَّكَأُ عَلَيْهِ، أَيْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ قَطْعِهِ كَالْجَامِدِ وَالشَّدِيدِ الْقَوَامِ، دُونَ الرَّخْوِ كَالْمَوْزِ النَّاضِجِ مِنَ الْفَاكِهَةِ وَالْحَسَاءِ مِنَ الطَّعَامِ، وَالِاتِّكَاءُ عَلَى الشَّيْءِ هُوَ التَّمَكُّنُ بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ أَوِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بِالْيَدِ أَوِ الْيَدَيْنِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: وَتَوَكَّأَ عَلَى عَصَاهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا، وَاتَّكَأَ جَلَسَ مُتَمَكِّنًا، وَفِي التَّنْزِيلِ: (وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ) ٤٣: ٣٤ أَيْ يَجْلِسُونَ. وَقَالَ: (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) ٣١ أَيْ مَجْلِسًا يَجْلِسْنَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالْعَامَّةُ لَا تَعْرِفُ الِاتِّكَاءَ إِلَّا الْمَيْلَ فِي الْقُعُودِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا، يُقَالُ: اتَّكَأَ إِذَا أَسْنَدَ ظَهْرَهُ أَوْ جَنْبَهُ إِلَى شَيْءٍ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدِ اتَّكَأَ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ تَفْسِيرُ الْمُتَّكَأِ هُنَا بِالْأُتْرُجِّ أَوِ الْأُتْرُنْجِ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إِلَّا بِالِاتِّكَاءِ عَلَيْهِ، وَفِي السُّنَّةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يَأْكُلُ وَهُوَ مُتَّكِئٌ (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) أَيْ أَمَرَتْ يُوسُفَ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِنَّ، وَكَانَ فِي حُجْرَةٍ أَوْ مَخْدَعٍ فِي دَاخِلِ حُجْرَةِ الطَّعَامِ الَّتِي كُنَّ فِيهَا مَحْجُوبًا عَنْهُنَّ، وَلَوْ كَانَ فِي مَكَانٍ خَارِجٍ عَنْهَا لَقَالَتِ: ادْخُلْ عَلَيْهِنَّ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا تَعَمَّدَتْ أَنْ يَفْجَأَهُنَّ وَهُنَّ مَشْغُولَاتٌ بِمَا يَقْطَعْنَهُ وَيَأْكُلْنَهُ، عَالِمَةً بِمَا يَكُونُ لِهَذِهِ الْفُجَاءَةِ مِنْ تَأْثِيرِ الدَّهْشَةِ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ التَّنْزِيلُ عَنْهُنَّ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -:

(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) أَيْ أَعْظَمْنَهُ وَدُهِشْنَ لِذَلِكَ الْحُسْنِ الرَّائِعِ، وَالْجَمَالِ الْبَارِعِ، وَغِبْنَ عَنْ شُعُورِهِنَّ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بَدَلًا مِنْ تَقْطِيعِ مَا يَأْكُلْنَ، ذُهُولًا عَمَّا يَعْمَلْنَ، بِأَنِ اسْتَمَرَّتْ حَرَكَةُ السَّكَاكِينِ الْإِرَادِيَّةُ بَعْدَ فَقْدِ الْإِرَادَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ فَقْدِهَا، وَلَكِنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى أَكُفِّ شَمَائِلِهِنَّ، وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا مَا كَانَ فِيهَا مِنِ اسْتِرْخَائِهَا بِذُهُولِ تِلْكَ الدَّهْشَةِ فَقَطَعَتْهَا أَيْ جَرَحَتْهَا، وَلَوْلَا اسْتِرْخَاؤُهَا لَأَبَانَتْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُضَيِّفَتَهُنَّ تَعَمَّدَتْ جَعْلَهَا مَشْحُوذَةً فَوْقَ الْمَعْهُودِ فِي سَكَاكِينِ الطَّعَامِ مُبَالَغَةً فِي مَكْرِهَا بِهِنَّ؛ لِتَقُومَ لَهَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِنَّ بِمَا لَا يَسْتَطِعْنَ إِنْكَارَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>