للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ) أَيْ يَأْكُلُ أَهْلُهُنَّ كُلَّ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُمْ، وَهُوَ مِنْ إِسْنَادِهِمْ إِلَى الزَّمَانِ وَالدَّهْرِ مَا يَقَعُ فِيهِ، وَيَكْثُرُ إِسْنَادُ الْعُسْرِ وَالْجُوعِ إِلَى سِنِيِّ الْجَدْبِ، يُقَالُ: أَكَلَتْ لَنَا هَذِهِ السَّنَةُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَمْ تُبْقِ لَنَا خَفِيًّا وَلَا حَافِرًا، وَلَا سَبَدًا وَلَا لَبَدًا، أَيْ لَا شَعْرًا وَلَا صُوفًا. وَهَذَا تَأْوِيلٌ لِلْبَقَرَاتِ السَّبْعِ الْعِجَافِ وَأَكْلِهِنَّ لِلسَّبْعِ السِّمَانِ، وَلِلسُّنْبُلَاتِ الْيَابِسَاتِ (إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ) أَيْ تُحْرِزُونَ وَتَدَّخِرُونَ لِلْبَذْرِ.

(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) الَّذِي ذُكِرَ وَهُوَ السَّبْعُ الشِّدَادُ (عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ) أَيْ فِيهِ يُغِيثُهُمُ اللهُ - تَعَالَى - مِنَ الشِّدَّةِ أَتَمَّ الْإِغَاثَةِ وَأَوْسَعَهَا، وَهِيَ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَعُونَةِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، يُقَالُ: غَاثَهُ يَغُوثُهُ وَغَوَاثًا (بِالْفَتْحِ) وَأَغَاثَهُ إِغَاثَةً إِذَا أَعَانَهُ وَنَجَّاهُ، وَغَوَّثَ الرَّجُلُ، قَالَ: (وَاغَوْثَاهُ) وَاسْتَغَاثَ رَبَّهُ اسْتَنْصَرَهُ وَسَأَلَهُ الْغَوْثَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْغَيْثِ وَهُوَ الْمَطَرُ، إِذْ يُقَالُ: غَاثَ اللهُ الْبِلَادَ غَيْثًا إِذَا أَنْزَلَ فِيهَا الْمَطَرَ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ هُنَا، وَلَا يُقَالُ إِنَّ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ خِصْبَ مِصْرَ يَكُونُ بِفَيَضَانِ النِّيلِ لَا بِالْمَطَرِ، فَإِنَّ فَيَضَانَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي يَمُدُّهُ فِي مَجَارِيهِ مِنْ بِلَادِ السُّودَانِ، فَاعْتِرَاضُ بَعْضِ الْمُسْتَشْرِقِينَ مِنَ الْإِفْرِنْجِ وَزَعْمُهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ مِنَ الْغَيْثِ وَأَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ، جَهْلٌ زَيَّنَهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ تَلَذُّذًا بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى لُغَةِ الْقُرْآنِ، (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) مَا شَأْنُهُ أَنْ يُعْصَرَ مِنَ الْأَدْهَانِ الَّتِي يَأْتَدِمُونَ بِهَا وَيَسْتَصْبِحُونَ كَالزَّيْتِ مِنَ الزَّيْتُونِ وَالْقُرْطُمِ وَغَيْرِهِ، وَالشَّيْرَجِ مِنَ السِّمْسِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْأَشْرِبَةِ مِنَ الْقَصَبِ وَالنَّخِيلِ وَالْعِنَبِ. وَالْمُرَادُ: أَنَّ هَذَا الْعَامَ عَظِيمُ الْخِصْبِ وَالْإِقْبَالِ، وَيَكُونُ لِلنَّاسِ فِيهِ كُلُّ مَا يَبْغُونَ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْإِتْرَافِ، وَالْإِنْبَاءُ بِهَذَا زَائِدٌ عَلَى تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَامُ الْأَوَّلُ بَعْدَ سِنِيِّ الشِّدَّةِ وَالْجَدْبِ دُونَ ذَلِكَ، فَهَذَا التَّخْصِيصُ وَالتَّفْصِيلُ لَمْ يَعْرِفْهُ يُوسُفُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا مُقَابِلَ لَهُ فِي رُؤْيَا الْمَلِكِ وَلَا هُوَ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ تَأْوِيلِهَا بِهَذَا التَّفْصِيلِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ((تَعْصِرُونَ)) بِالْخِطَابِ كَـ ((تَزْرَعُونَ)) وَ ((تُحْصِنُونَ)) . وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ عَطْفٌ عَلَى (يُغَاثُ النَّاسُ) وَفَائِدَةُ الْقِرَائَتَيْنِ: بَيَانُ الْمِنَّةِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مِنْ غَائِبٍ مَحْكِيٍّ عَنْهُ، وَحَاضِرٍ مُخَاطَبٍ بِمَا يَكُونُ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>