للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَعْمَالِ الْحَجِّ وَلَيْسَ فِيهَا امْتِيَازُ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا قَبِيلٍ عَلَى قَبِيلٍ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ وَتَرْكَ التَّفَاخُرِ مِنْ مَقَاصِدِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ الْمُمَيِّزَةَ لَا وَجْهَ لَهَا، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُفِيضُوا مَعَ النَّاسِ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ.

وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِفَاضَةِ هُنَا الدَّفْعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَاتٍ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ كَافَّةً، وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدُ الْوُقُوفِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَفِي الْإِفَاضَةِ مِنْهَا إِلَى مُزْدَلِفَةَ، وَبَعْدَ أَنْ أَمَرَهُمْ بِمَا يُتَوَقَّعُ أَنْ يَغْفُلُوا عَنْهُ فِيهَا عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مِنْهَا ذَكَرَ الْإِفَاضَةَ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ) يُفِيدُ أَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُرَتَّبَةً عَلَى الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَمُتَأَخِّرَةً عَنْهَا، فَفِيهِ تَأْكِيدُ إِبْطَالِ تِلْكَ الْعَادَةِ، وَقَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِامْتِيَازِ فِي الْمَوْقِفِ تَرَفُّعًا عَنِ النَّاسِ إِذْ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ يَتَسَاوُونَ فِي الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّ غَيْرَ قُرَيْشٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يُفِيضُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ أَيْضًا، فَالْآيَةُ تَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ مَعَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْإِفَاضَةِ فِيهَا الدَّفْعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَثَرِ وَأَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ الْجِنْسُ، وَقِيلَ: إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِهِمَا، وَقَوْلُهُ: (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) يُرَادُ بِهِ الِاسْتِغْفَارُ مِمَّا أَحْدَثُوا بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ تَغْيِيرِ الْمَنَاسِكِ وَإِدْخَالِ الشِّرْكِ وَأَعْمَالِهِ فِيهَا، وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِغْفَارٌ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي ذَكَّرَهُمْ بِهِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، وَمِنْ عَامَّةِ الذُّنُوبِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُوَجَّهُ إِلَى مَنْ بَعْدَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أَيْ: وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ تَائِبًا مُنِيبًا.

(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ

مِنْ خَلَاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>