للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زَمَانٍ وَمَكَانٍ; فَلَا يَجُوزُ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُقِيمَ فِي بِلَادٍ يُفْتَنُ بِهَا عَنْ دِينِهِ بِأَنْ يُؤْذَى إِذَا صَرَّحَ بِاعْتِقَادِهِ أَوْ عَمِلَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ حُكَّامُ تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ صِنْفِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَلَّا يَقْدِرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّصْرِيحِ - قَوْلًا وَكِتَابَةً - بِكُلِّ مَا يَعْتَقِدُونَ، وَلَا يُمَكَّنُوا مِنَ الْقِيَامِ بِفَرِيضَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا.

وَأَمَّا الْمُجَاهَدَةُ فَهِيَ مِنَ الْجُهْدِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِالْقِتَالِ. وَالرَّجَاءُ هُوَ تَوَقُّعُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ أَسْبَابِهَا. فَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ الرَّسُولِ أَوْ هَاجَرُوا إِلَيْهِ لِلْقِيَامِ بِنُصْرَةِ الْحَقِّ، وَالَّذِينَ بَذَلُوا جُهْدَهُمْ فِي مُقَاوَاةِ الْكُفَّارِ وَمُقَاوَمَتِهِمْ، هُمُ الَّذِينَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى وَإِحْسَانَهُ رَجَاءً حَقِيقِيًّا، وَهُمْ أَجْدَرُ بِأَنْ يُعْطُوا مَا يَرْجُونَ، وَأَمَّا طَلَبُ الْمَنَافِعِ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِهَا الْعَادِيَّةِ فِي الْعَادِيَاتِ، وَالشَّرْعِيَّةِ فِي الدِّينِيَّاتِ فَلَا يُسَمَّيَانِ رَجَاءً، بَلْ تَمَنِّيًا وَغُرُورًا.

تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ لِلتَّائِبِينَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، عَظِيمُ الرَّحْمَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ الْمُحْسِنِينَ، وَلَا سِيَّمَا الْمُهَاجِرِينَ الْمُجَاهِدِينَ، يَغْفِرُ لَهُمْ مَا عَسَاهُ يُفَرَّطُ مِنْهُمْ مِنْ تَقْصِيرٍ وَيَتَغَمَّدُهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَنِعْمَ الْمَصِيرُ.

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمَا فَأَنْزَلَ اللهُ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الْآيَةَ، فَقَالَ النَّاسُ: مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا إِنَّمَا قَالَ: (إِثْمٌ كَبِيرٌ) وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ حَتَّى كَانَ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ صَلَّى رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمَّ أَصْحَابَهُ فِي الْمَغْرِبِ فَخَلَطَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةً أَغْلَظَ مِنْهَا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) (٤: ٤٣) الْآيَةَ، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةٌ أَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>