للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْآيَاتُ فِي سَرْدِ الْأَحْكَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ لِرَبْطِ كُلِّ آيَةٍ بِمَا قَبْلَهَا، وَالرَّبْطُ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُخَالَطَةِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ نِكَاحُ الْيَتَامَى. أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْوَاحِدِيُّ عَنْ مُقَاتِلٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ابْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ((عَنَاقٍ)) أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ وَكَانَتْ ذَاتَ حَظٍّ مِنْ جَمَالٍ فَنَزَلَتْ. يَعْنِي (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) ذَكَرَ ذَلِكَ السُّيُوطِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ) الْآيَةَ. أَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءُ وَأَنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهَا فَلَطَمَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ فَزِعَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ: لَأَعْتِقَنَّهَا وَلَأَتَزَوَّجَنَّهَا. فَفَعَلَ، فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ وَقَالُوا: يَنْكِحُ أَمَةً! فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ مُنْقَطِعًا.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ) إِلَى (أَعْجَبَتْكُمْ) آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ نَزَلَتْ فِي حَادِثَةٍ غَيْرِ الْحَادِثَةِ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ صَنِيعِهِ خَفِيٌّ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْآيَةَ وَاحِدَةٌ، نَزَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَى بَيَانِ أَحْكَامِهَا، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ حُدُوثِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ.

وَفِي رُوحِ الْمَعَانِي مَا نَصُّهُ: رَوَى الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا مِنْ غِنَى يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ حَلِيفًا لِبَنِي هَاشِمٍ إِلَى مَكَّةَ لِيُخْرِجَ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا أَسْرَى، فَلَمَّا قَدِمَهَا سَمِعَتْ بِهِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ، وَكَانَتْ خَلِيلَةً لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَعْرَضَ عَنْهَا فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: وَيْحَكَ يَا مَرْثَدُ أَلَا تَخْلُو؟ فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ وَحَرَّمَهُ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتِ تَزَوَّجْتُكِ. فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِذَا رَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجْتُكِ، فَقَالَتْ لَهُ: أَبِي تَتَبَرَّمُ؟ ثُمَّ اسْتَعَانَتْ عَلَيْهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبًا وَجِيعًا ثُمَّ خَلُّوا سَبِيلَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ بِمَكَّةَ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاجِعًا وَأَعْلَمَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ عَنَاقَ وَمَا لَقِيَ بِسَبَبِهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا؟ وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّهَا تُعْجِبُنِي

فَنَزَلَتْ)) وَتَعْقَّبَ ذَلِكَ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِي نُزُولِ آيَةِ النُّورِ (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) (٢٤: ٣) وَرَوَى السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ هَذِهِ ((نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهَا فَلَطَمَهَا ثُمَّ إِنَّهُ فَزِعَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا هِيَ يَا عَبْدَ اللهِ؟ قَالَ: هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>