للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْجُبْنَ عَنْ مُدَافَعَةِ الْأَعْدَاءِ، وَتَسْلِيمِ الدِّيَارِ بِالْهَزِيمَةِ وَالْفِرَارِ، هُوَ الْمَوْتُ الْمَحْفُوفُ بِالْخِزْيِ وَالْعَارِ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ الْعَزِيزَةَ الطَّيِّبَةَ هِيَ الْحَيَاةُ الْمِلِّيَّةُ الْمَحْفُوظَةُ مِنْ عُدْوَانِ الْمُعْتَدِينَ، فَلَا تُقَصِّرُوا فِي حِمَايَةِ جَامِعَتِكُمْ فِي الْمِلَّةِ وَالدِّينِ.

(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللهِ: هُوَ الْقِتَالُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ، وَتَأْمِينِ دِينِهِ وَنَشْرِ دَعْوَتِهِ، وَالدِّفَاعِ عَنْ حِزْبِهِ كَيْ لَا يُغْلَبُوا عَلَى حَقِّهِمْ، وَلَا يُصَدُّوا عَنْ إِظْهَارِ أَمْرِهِمْ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقِتَالِ لِأَجْلِ الدِّينِ; لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَعَ الدِّفَاعِ عَنِ الدِّينِ وَحِمَايَةِ دَعَوْتِهِ الدِّفَاعَ عَنِ الْحَوْزَةِ إِذَا هَمَّ الطَّامِعُ الْمُهَاجِمُ بِاغْتِصَابِ بِلَادِنَا وَالتَّمَتُّعِ بِخَيْرَاتِ أَرْضِنَا، أَوْ أَرَادَ الْعَدُوُّ الْبَاغِي إِذْلَالَنَا، وَالْعُدْوَانَ عَلَى اسْتِقْلَالِنَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ فِتْنَتِنَا فِي دِينِنَا، فَهَذَا الْأَمْرُ مُطْلَقٌ كَأَنَّهُ أَمْرٌ لَنَا بِأَنْ نَتَحَلَّى بِحِلْيَةِ الشَّجَاعَةِ، وَنَتَسَرْبَلَ بِسَرَابِيلِ الْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ; لِتَكُونَ حُقُوقُنَا مَحْفُوظَةً، وَحُرْمَتُنَا مَصُونَةً، لَا نُؤْخَذُ مِنْ جَانِبِ دِينِنَا، وَلَا نُغْتَالُ مِنْ جِهَةِ دُنْيَانَا، بَلْ نَبْقَى أَعِزَّاءَ الْجَانِبَيْنِ، جَدِيرِينَ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَاقَ اللهُ لَنَا الْعِبْرَةَ بِحَالِهِمْ، وَذَكَّرَنَا بِسُنَّتِهِ فِي مَوْتِهِمْ وَحَيَاتِهِمْ، لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمْ قُوتِلُوا وَقُتِلُوا لِأَجْلِ الدِّينِ! فَالْقِتَالُ لِحِمَايَةِ الْحَقِيقَةِ كَالْقِتَالِ لِحِمَايَةِ الْحَقِّ كُلِّهِ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَتَفْسِيرُ (الْجَلَالِ) سَبِيلَ اللهِ بِإِعْلَاءِ دِينِهِ تَقْيِيدٌ لِمُطْلَقٍ، وَتَخْصِيصٌ لِقَوْلٍ عَامٍّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ، يَكُونُ قِتَالُهُ فَرْضَ عَيْنٍ.

ذَكَّرَنَا اللهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا الْأَمْرِ بِأَنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ; لِيُنَبِّهَنَا عَلَى مُرَاقَبَتِهِ فِيمَا عَسَى أَنْ نَعْتَذِرَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِنَا فِي تَقْصِيرِهَا عَنِ امْتِثَالِ هَذَا الْأَمْرِ فِي وَقْتِهِ، وَأَخْذِ الْأُهْبَةِ لَهُ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ، أَمَرَنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ سَمِيعٌ لِأَقْوَالِ الْجُبَنَاءِ فِي اعْتِذَارِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ: مَاذَا نَعْمَلُ؟ مَا فِي الْيَدِ حِيلَةٌ، لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ، لَيْسَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قَعَدْنَا هَاهُنَا، فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِفْتَاحُ الْجُبْنِ، وَعِلَلُ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ، فَهِيَ عِنْدَ أَهْلِهَا تَعِلَّاتٌ وَأَعْذَارٌ، وَعِنْدَ اللهِ تَعَالَى ذُنُوبٌ وَأَوْزَارٌ، وَمَا كَانَ مِنْهَا حَقًّا فِي نَفْسِهِ فَهُوَ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْبَاطِلُ - وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَأْتِيهِ مَرْضَى الْقُلُوبِ وَضُعَفَاءُ الْإِيمَانِ مِنَ الْحِيَلِ

وَالْمُرَاوَغَةِ، وَالْفِرَارِ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ وَالْمُدَافَعَةِ، فَإِذَا عَلِمْنَا هَذَا وَحَاسَبْنَا بِهِ أَنْفُسَنَا، عَرَفْنَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُعْتَذِرِ بِلِسَانِهِ وَالْمُتَعَلِّلِ بِفِعَالِهِ مُخَادِعٌ لِرَبِّهِ وَلِنَفْسِهِ وَقَوْمِهِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ نَحْوٍ مِمَّا تَقَدَّمَ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَهْزَأُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي إِذْ يُصَدِّقُ مَا يَعْتَادُهُ مِنَ التَّوَهُّمِ، وَهَذِهِ شِنْشَنَةُ الْمَخْذُولِينَ الَّذِينَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَخَيَّمَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ، تَعْمَلُ فِيهِمْ هَذِهِ الْوَسَاوِسُ مَالَا تَعْمَلُ الْحَقَائِقُ، وَقَدْ أَنْذَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ مِثْلَهُمْ بِتَذْكِيرِنَا بِأَنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، لَا يُخَادَعُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَنَقُولُ: إِنَّ هَذَا التَّذْكِيرَ كَانَ بِالْأَمْرِ بِالْعِلْمِ لَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوِ التَّسْلِيمِ، فَمَنْ عَلِمَ عِلْمًا صَحِيحًا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُ، حَاسَبَ نَفْسَهُ وَنَاقَشَهَا، وَمَنْ حَاسَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>