للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَئِمَّةُ، فَذَلِكَ كَافٍ فِي صِحَّةِ الدِّينِ وَإِنْ تَشَابَهَ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَقُلْ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [٣: ٧] وَاعْتَقِدْ كُلَّ مَا وَرَدَ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَنَفْيِهَا عَلَى غَايَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّقْدِيسِ، مَعَ نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ وَاعْتِقَادِ أَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَبَعْدَ هَذَا لَا تَلْتَفِتْ إِلَى الْقِيلِ وَالْقَالِ، فَإِنَّكَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَا هُوَ عَلَى حَدِّ طَاقَتِكَ، فَإِنْ أَخَذَ يَتَحَذْلَقُ وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ عَالِمٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالذَّاتِ أَوْ بِعِلْمٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَشْعَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، فَقَدْ خَرَجَ بِهَذَا عَنْ حَدِّ الْعَوَامِّ; إِذِ الْعَامِّيُّ لَا يَلْتَفِتُ قَلْبُهُ إِلَى هَذَا مَا لَمْ يُحَرِّكْهُ شَيْطَانُ الْجَدَلِ فَإِنَّ اللهَ لَا يُهْلِكُ قَوْمًا إِلَّا يُؤْتِهِمُ الْجَدَلَ، كَذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَرُ وَإِذَا الْتَحَقَ بِأَهْلِ الْجَدَلِ فَأَذْكُرُ عِلَاجَهُمْ:

" هَذَا مَا أَعِظُ بِهِ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ الْحَوَالَةُ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْحَدِيدَ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهَمُّ الْحَوَالَةِ عَلَى الْكِتَابِ، وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَأَقُولُ: لَا تَشْغَلْ

قَلْبَكَ بِمَوَاقِعِ الْخِلَافِ مَا لَمْ تَفْرُغْ عَنْ جَمِيعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَقَدِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ زَادَ الْآخِرَةِ هُوَ التَّقْوَى وَالْوَرَعُ، وَأَنَّ الْكَسْبَ الْحَرَامَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ وَالنَّمِيمَةَ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةَ وَالْخِيَانَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ حَرَامٌ، وَالْفَرَائِضُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ، فَإِنْ فَرَغْتَ مِنْ جَمِيعِهَا عَلَّمْتُكَ طَرِيقَ الْخَلَاصِ مِنَ الْخِلَافِ، فَإِنْ هُوَ طَالَبَنِي بِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ هَذَا فَهُوَ جَدَلِيٌّ وَلَيْسَ بِعَامِّيٍّ، أَفَرَأَيْتَ رُفَقَاءَكَ قَدْ فَرَغُوا مِنْ جَمِيعِ هَذَا ثُمَّ أَخَذَ إِشْكَالُ الْخِلَافُ بِمَخْنَقِهِمْ؟ هَيْهَاتَ مَا أَشْبَهَ ضَعْفَ عُقُولِهِمْ فِي خِلَافِهِمْ إِلَّا بِعَقْلٍ مَرِيضٍ بِهِ مَرَضٌ أَشْرَفَ بِهِ عَلَى الْمَوْتِ وَلَهُ عِلَاجٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَطِبَّاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: قَدِ اخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي بَعْضِ الْأَدْوِيَةِ أَنَّهَا حَارَّةٌ أَوْ بَارِدَةٌ وَرُبَّمَا افْتَقَرْتُ إِلَيْهِ يَوْمًا، فَأَنَا لَا أُعَالِجُ نَفْسِي حَتَّى أَجِدَ مَنْ يُعَلِّمُنِي رَفْعَ الْخِلَافِ فِيهِ " إِلَى آخَرِ مَا أَطَالَ بِهِ، وَقَدْ فُهِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا رَأْيُهُ فِي الْخَوَاصِّ وَكَيْفَ يُعَالِجُهُمْ بِمَوَازِينِ الْبَرَاهِينِ، وَفِي أَهْلِ الْجَدَلِ وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ جِدَالَهُمْ يَكُونُ بِمِثْلِ مَا فِي كُتُبِ الْكَلَامِ، وَأَنَّ الْمُتَعَنِّتَ الَّذِي يَبْغِي بِجَدَلِهِ فِتْنَةَ الْعَوَامِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْحَدِيدُ ; أَيْ قُوَّةُ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ بَعْضَ النَّاسِ مِنْ فِتْنَةِ بَعْضٍ.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>