للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التِّلْمِيذُ: إِنَّنَا لَا نَرَى فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي الْهَوَاءِ شَيْئًا مِنْ مَادَّةِ النَّبَاتِ وَلَا مِنْ صِفَاتِهِ كَاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ.

الشَّابُّ: إِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا الْعَنَاصِرَ الْبَسِيطَةَ فَيَأْخُذُ مِنَ الْهَوَاءِ الْأُكْسُجِينَ وَالنِّيتْرُوجِينَ " الْأَزُوتَّ " وَكَذَلِكَ الْكَرْبُونَ وَبَعْضَ الْأَمْلَاحِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْهَوَاءِ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُزْءًا مِنْهُ، وَيَأْخُذُ مِنَ الْأَرْضِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ عَنَاصِرِهَا الْكَثِيرَةِ كَالْبُوتَاسَا وَالْفُسْفُورِ وَالْحَدِيدِ وَالْجِيرِ وَالْأَمْلَاحِ، وَيُكَوِّنُ مِمَّا يَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ غِذَاءَهُ بِعَمَلٍ كِيمَاوِيٍّ مُنْتَظِمٍ، يَعْجَزُ عَنْ مِثْلِهِ أَعْلَمُ عُلَمَاءِ الْكِمْيَاءِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَشْكَالِ وَالصِّفَاتِ إِنَّمَا اخْتَلَفَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِاخْتِلَافِ التَّرْكِيبِ الْكِيمَاوِيِّ وَعَمَلِ الطَّبِيعَةِ، حَتَّى إِنَّ مَادَّةَ السُّكَّرِ هِيَ عَيْنُ الْمَادَّةِ الَّتِي يَتَكَوَّنُ مِنْهَا الْحَنْظَلُ،

وَالْمَاسُ وَالْفَحْمُ الْحَجَرِيُّ مِنْ عُنْصُرٍ وَاحِدٍ.

الشَّيْخُ: إِنَّ النَّبَاتَ لَا حَيَاةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ الَّذِي ذَكَرْتَ فِي مَعْنَى النُّمُوِّ وَكَيْفِيَّتِهِ بِمَا تَقْتَضِيهِ صِفَةُ الْحَيَاةِ الَّتِي أَثْبَتَّهَا لَهُ، لَكَانَ عَالِمًا بِعَمَلِهِ وَمُخْتَارًا فِيهِ، وَلَمْ يَرِدْ بِهَذَا نَقْلٌ، وَلَا أَثْبَتَهُ عَقْلٌ، فَنُمُوُّ النَّبَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَحْضِ قُدْرَةِ اللهِ - تَعَالَى -.

الشَّابُّ: لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ لِلنَّبَاتِ عِلْمًا وَلَا عَلَى أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ، فَهُوَ فِي عَمَلِهِ كَأَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَعْمَلُ أَعْمَالًا مُنْتَظِمَةً لَا شُعُورَ لِلْإِنْسَانِ بِهَا وَلَا هِيَ صَادِرَةٌ عَنْ عِلْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ ; كَأَعْمَالِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ فِي هَضْمِ الطَّعَامِ، فَلَيْسَ عِنْدَنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَعِدَةِ عِلْمًا خَاصًّا وَلَا عَلَى أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهَا، وَلَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا عُضْوٌ حَيٌّ بِحَيَاةِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أُبِينَ مِنْهُ ثُمَّ وُضِعَ فِيهِ الطَّعَامُ فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ الْعَمَلَ، وَكَوْنُ كُلِّ شَيْءٍ بِقُدْرَةِ اللهِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبٌ ; فَاللهُ - تَعَالَى - حَكِيمٌ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا إِلَّا بِنِظَامٍ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [٦٧:٣] .

التِّلْمِيذُ: مِنْ أَيْنَ تَكُونُ هَذِهِ الْحَيَاةُ النَّبَاتِيَّةُ لِلنَّبَاتِ، وَالْحَيَاةُ الْحَيَوَانِيَّةُ لِلْحَيَوَانِ، فَهَلِ الْمَادَّةُ الَّتِي يَتَغَذَّى بِهَا النَّبَاتُ حَيَّةٌ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَيَاتَهُ؟

الشَّابُّ: كَلَّا، إِنَّ مَوَادَّ التَّغْذِيَةِ لَيْسَتْ حَيَّةً بِنَفْسِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَّا بَعْدَ إِمَاتَتِهِ بِنَحْوِ الذَّبْحِ وَالطَّبْخِ، وَلَا يَأْكُلُ نَبَاتًا إِلَّا بَعْدَ إِزَالَةِ حَيَاتِهِ النَّبَاتِيَّةِ وَلَوْ بِالْقَطْعِ وَالْمَضْغِ فَقَطْ؟ وَكَذَلِكَ النَّبَاتُ، وَلَكِنْ فِي النَّوَاةِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْهَا الشَّجَرَةُ وَالْبَيْضَةِ الَّتِي يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْحَيَوَانُ حَيَاةٌ كَامِنَةٌ مُسْتَعِدَّةٌ لِلنُّمُوِّ بِالتَّغْذِيَةِ عَلَى مَا نُشَاهِدُ فِي الْكَوْنِ، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ مَجْهُولَةُ الْكُنْهِ وَالْمَبْدَأِ حَتَّى الْيَوْمِ، وَأَمْرُهَا أَخْفَى مِنْ أَمْرِ الْمَادَّةِ فِي كُنْهِهَا وَمَبْدَئِهَا.

الشَّيْخُ: إِذَا كُنْتُمْ فِي عِلْمِكُمْ هَذَا أَرْجَعْتُمْ جَمِيعَ الْعَنَاصِرِ الَّتِي تَأَلَّفَتْ مِنْهَا مَادَّةُ الْكَوْنِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ عُرِفَ أَثَرُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ حَقِيقَتُهُ - كَمَا قُلْتُ فِي مَبْحَثِ الْوَحْدَانِيَّةِ - فَمَا بَالُكُمْ تَقِفُونَ فِي حَيَاةِ بَعْضِ الْمَوَادِّ كَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَتَقُولُونَ: لَا نَعْرِفُ مَبْدَأَ حَيَاتِهِ وَحَقِيقَتَهَا وَتَقِفُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>