للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هوائها لأنّها عريقة في الجنوب عن الأرياف والتّلول واعتبر ذلك أيضا بأهل مصر فإنّها مثل عرض البلاد الجزيريّة أو قريبا منها كيف غلب الفرح عليهم والخفّة والغفلة عن العواقب حتّى أنّهم لا يدّخرون أقوات سنتهم ولا شهرهم وعامّة مأكلهم من أسواقهم. ولمّا كانت فاس من بلاد المغرب بالعكس منها في التّوغّل في التّلول الباردة كيف ترى أهلها مطرقين إطراق الحزن وكيف أفرطوا في نظر العواقب حتّى إنّ الرّجل منهم ليدّخر قوت سنتين من حبوب الحنطة ويباكر الأسواق لشراء قوته ليومه مخافة أن يرزأ [١] شيئا من مدّخره وتتبع ذلك في الأقاليم والبلدان تجد في الأخلاق أثرا من كيفيّات الهواء والله الخلّاق العليم وقد تعرّض المسعوديّ للبحث عن السّبب في خفّة السّودان وطيشهم وكثرة الطّرب فيهم وحاول تعليله فلم يأت بشيء أكثر من أنّه نقل عن جالينوس ويعقوب بن إسحاق الكنديّ أنّ ذلك لضعف أدمغتهم وما نشأ عنه من ضعف عقولهم وهذا كلام لا محصّل له ولا برهان فيه وَالله يَهْدِي من يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢: ٢١٣.

[المقدمة الخامسة في اختلاف أحوال العمران في الخصب والجوع وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم]

اعلم أنّ هذه الأقاليم المعتدلة ليس كلّها يوجد بها الخصب ولا كلّ سكّانها في رغد من العيش بل فيها ما يوجد لأهله خصب العيش من الحبوب والأدم والحنطة والفواكه لزكاء المنابت واعتدال الطّينة ووفور العمران وفيها الأرض الحرّة الّتي لا تنبت زرعا ولا عشبا بالجملة فسكّانها في شظف من العيش مثل


[١] أن ينقص.

<<  <  ج: ص:  >  >>