للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشدّة والغطّ ما لا يعبّر عنه ففي الحديث كان ممّا يعالج من التّنزيل شدّة [١] وقالت عائشة كان ينزّل عليه الوحي في اليوم الشّديد البرد فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا وقال تعالى «إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ٧٣: ٥» ولأجل هذه الغاية في تنزّل الوحي كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون ويقولون له رئيّ أو تابع من الجنّ وإنّما لبّس عليهم بما شاهدوه من ظاهر تلك الأحوال ومن يضلل الله فما له من هاد. ومن علاماتهم أيضا أنّه يوجد لهم قبل الوحي خلق الخير والزّكاء ومجانبة المذمومات والرّجس أجمع وهذا هو معنى العصمة وكأنّه مفطور على التّنزّه عن المذمومات والمنافرة لها وكأنّها منافية لجبلته وفي الصّحيح أنّه حمل الحجارة وهو غلام مع عمّه العبّاس لبناء الكعبة فجعلها في إزاره فانكشف فسقط مغشيّا عليه حتّى استتر بإزاره ودعي إلى مجتمع وليمة فيها عرس ولعب فأصابه غشي النّوم إلى أن طلعت الشّمس ولم يحضر شيئا من شأنهم بل نزّهه الله عن ذلك كله حتّى إنّه بجبلته يتنزّه عن المطعومات المستكرهة فقد كان صلّى الله عليه وسلّم لا يقرب البصل والثّوم فقيل له في ذلك فقال إنّي أناجي من لا تناجون وانظر لما أخبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم خديجة رضي الله عنها بحال الوحي أوّل ما فجأته وأرادت اختباره فقالت اجعلني بينك وبين ثوبك فلمّا فعل ذلك ذهب عنه فقالت إنّه ملك وليس بشيطان ومعناه أنّه لا يقرب النّساء وكذلك سألته عن أحبّ الثّياب إليه أن يأتيه فيها فقال البياض والخضرة فقالت إنّه الملك يعني أنّ البياض والخضرة من ألوان الخير والملائكة والسّواد من ألوان الشّرّ والشّياطين وأمثال ذلك. ومن علاماتهم أيضا دعاؤهم إلى الدّين والعبادة من الصّلاة والصّدقة والعفاف وقد استدلّت خديجة على صدقه صلّى الله عليه وسلّم بذلك وكذلك أبو بكر ولم يحتاجا في أمره إلى دليل خارج عن حاله وخلقه وفي الصّحيح أنّ هرقل حين جاءه كتاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم يدعوه إلى الإسلام أحضر من وجد ببلده من قريش وفيهم أبو سفيان ليسألهم عن حاله فكان


[١] الحديث: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التنزيل بشدة، رواه ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>