للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كما نقل المسعودي وكثير من المؤرّخين في جيوش بني إسرائيل بأنّ موسى عليه السّلام أحصاهم في التّيه بعد أن أجاز من يطيق حمل السّلاح خاصّة من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستّمائة ألف أو يزيدون ويذهل في ذلك عن تقدير مصر والشّام واتّساعهما لمثل هذا العدد من الجيوش لكلّ مملكة من الممالك حصّة من الحامية تتّسع لها وتقوم بوظائفها وتضيق عمّا فوقها تشهد بذلك الغوائد المعروفة والأحوال المألوفة ثمّ إنّ مثل هذه الجيوش البالغة إلى مثل هذا العدد يبعد أن يقع بينها زحف أو قتال لضيق ساحة الأرض عنها وبعدها إذا اصطفّت عن مدى البصر مرّتين أو ثلاثا أو أزيد فكيف يقتتل هذان الفريقان أو تكون غلبة أحد الصّفّين وشيء من جوانبه لا يشعر بالجانب الآخر والحاضر يشهد لذلك فالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء.

ولقد كان ملك الفرس ودولتهم أعظم من ملك بني إسرائيل بكثير يشهد لذلك ما كان من غلب بخت نصّر لهم والتهامه بلادهم واستيلائه على أمرهم وتخريب بيت المقدس قاعدة ملّتهم وسلطانهم وهو من بعض عمّال مملكة فارس يقال إنّه كان مرزبان المغرب من تخومها وكانت ممالكهم بالعراقين وخراسان وما وراء النّهر والأبواب أوسع من ممالك بني إسرائيل بكثير ومع ذلك لم تبلغ جيوش الفرس قطّ مثل هذا العدد ولا قريبا منه وأعظم ما كانت جموعهم بالقادسيّة مائة وعشرين ألفا كلّهم متبوع على ما نقله سيف [١] قال وكانوا في أتباعهم أكثر من مائتي ألف وعن عائشة والزّهريّ فإنّ جموع رستم الّذين زحف بهم سعد بالقادسيّة إنّما كانوا ستّين ألفا كلّهم متبوع وأيضا فلو بلغ بنو إسرائيل مثل هذا العدد لاتّسع نطاق ملكهم وانفسح مدى دولتهم فإنّ العمالات والممالك في الدّول على نسبة الحامية والقبيل القائمين بها في قلّتها وكثرتها حسبما نبين في فصل الممالك من الكتاب الأوّل والقوم لم تتّسع ممالكهم إلى غير الأردنّ وفلسطين من الشّام وبلاد يثرب وخيبر من الحجاز على ما هو المعروف.


[١] هو سيف بن عمر الأسدي، من جامعي تواريخ الأمم والدول.

<<  <  ج: ص:  >  >>